17 مايو 2015
سُلطة أم سَلطة
أحمد عطية (مصر)
اشتد الحوار بين اثنين من القرَّاء وعلت الأصوات، وغدا حالهم كحال الزعماء العرب في جامعة الدول العربية، أو حال طلاب الثانوية العامة في إحدى لجان الامتحانات التي غابت فيها المدرسة، وغاب المدرسون، وغاب المدير وغاب حضرة الناظر وغاب القمر وأشرقت الشمس في الصباح كعادتها، وكأن شيئاً لم يحدث.
كان الخلاف حول كلمة وردت في جملة اسمية، تبدأ باسم مات من الهم قبل أن يولد بسبب كثرة الحروب والدمار والخراب الذي حل على المجتمعات العربية، يسبقه فعل ناقص خسيس حددته كتب النحو منذ قديم الأجل.
كانت الجملة التي دار حولها الخلاف هي "كان للسلطة دور في توجيه مائدة المفاوضات"، فاختلف الاثنان هل هي السُلطة بضم السين، أم السَلطة بفتح السين، فقال الأول الضم أولى، لأن المفاوضات تقتضي الضم، ولأننا وصلنا إلى حالة من التمزق والتشتت والتبعثر، نأمل بعدها لم الشمل وإعادة الوحدة. الضم أولى، لأن الشقاق مر، والذل والهروب أمر منه. الضم أولى، لأنَّ الوطن يئن من المرض، فجراحه متسعة، تحتاج إلى فترات طويلة للعلاج الذي لن يتم إلا بتجمع الأيدي ولم الشمل؛ لذا فإني أراها بضم السين.
وقال الثاني، بل فتح السين أولى؛ لأنها تتلاءم مع المائدة، فما من مائدة لا تخلو من سَلطة. الفتح أولى، لأن ما حدث لا يمكن أن يُضم، ولأن الفجوة متسعة، والطريق لم يعد يسع كل السائرين. الفتح أولى، لأن مَن ذاق طعم الذل والتشتت والعذاب لا تكفيه طبطبة على الكتف، أو قبلات على الرأس. الفتح أولى، لأنه يسير مع عدم منطقية الأمور التي نحياها، فهي سَلطة أولى من سُلطة، وإذا أردت أن تجعلها بالضم فأنت حر.
وظل كل واحد منها يأتي بالحجج التي ترجح وجهة نظره، وأن رأيه هو الصواب، كي يستقيم المعنى في الرأس، في ظل غياب كامل للمنطق الذي لبس عباءته السوداء، وذهب إلى العزاء مبكراً في السرادق المقام على حائط المبكى، حيث آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ في كل صباح، أمام منظمات حقوق الإنسان.
أتعبهم ضم السين وفتحها، حتى فشل كل واحد منها في إقناع صاحبه، وكاد الأمر يصل إلى تبادل التهم، لولا تدخل القارئ الثالث الذي كان مشغولاً بالبحث عن كروية الأرض في نظرية فيثاغورس التي تقول إن الخطوط المستقيمة لا يمكن أن تلتقي في نقطة واحدة، أما المعوجة فتلتقى عند أول نقطة في الطريق، لأن المصالح واحدة.
أدرك القارئ الثالث مدى الخطر الذي سيقع فيه القارئان، بسبب الخلاف الناشب بينهما، فقرر التدخل بسرعة لإنقاذ الموقف، وسألهم عن سبب الخلاف، فأخبراه عن الكلمة التي سببت المشكلة بينها، وهي نفسها سبب المشكلة في كل زمان ومكان، هل هي سُلطة، بضم السين، أم سَلطة، بفتحها؟
قال القارئ الثالث، بعد أن كاد لا يتمالك نفسه من الضحك، الكلمة صحيحة، سواء بالفتح أو الضم، والسياق يجوز فيه الوضعان، بل أكثر من ذلك، فالوضعان مرتبطان ببعضهما أشد ارتباط، فأحدهم يترتب على الآخر؛ فالحاكم إذا تجبر واستغل السُلطة، فلا قيمة هنا للمفاوضات، وإنما هو شكل تمرر فيه أحكامه الجائرة. وهنا تتحول الأمور إلى سَلطة، في غياب من منطقية الأمور التي ولت هاربة من المعركة، وسط الشدة، عندما غابت كلمات المفكرين والمثقفين الذين انزووا على أنفسهم في أحلامهم الوردية.
أعرفتم، الآن، أن الطريق واحد، والأمور مرتبطة ببعضها أشد الارتباط، كارتباط التاريخ بالحاضر والمستقبل، وارتباط الجغرافيا برياضيات فيثاغورس التي يبحث فيها عن وحدة الطريق والتقاء الخطوط المستقيمة.
كان الخلاف حول كلمة وردت في جملة اسمية، تبدأ باسم مات من الهم قبل أن يولد بسبب كثرة الحروب والدمار والخراب الذي حل على المجتمعات العربية، يسبقه فعل ناقص خسيس حددته كتب النحو منذ قديم الأجل.
كانت الجملة التي دار حولها الخلاف هي "كان للسلطة دور في توجيه مائدة المفاوضات"، فاختلف الاثنان هل هي السُلطة بضم السين، أم السَلطة بفتح السين، فقال الأول الضم أولى، لأن المفاوضات تقتضي الضم، ولأننا وصلنا إلى حالة من التمزق والتشتت والتبعثر، نأمل بعدها لم الشمل وإعادة الوحدة. الضم أولى، لأن الشقاق مر، والذل والهروب أمر منه. الضم أولى، لأنَّ الوطن يئن من المرض، فجراحه متسعة، تحتاج إلى فترات طويلة للعلاج الذي لن يتم إلا بتجمع الأيدي ولم الشمل؛ لذا فإني أراها بضم السين.
وقال الثاني، بل فتح السين أولى؛ لأنها تتلاءم مع المائدة، فما من مائدة لا تخلو من سَلطة. الفتح أولى، لأن ما حدث لا يمكن أن يُضم، ولأن الفجوة متسعة، والطريق لم يعد يسع كل السائرين. الفتح أولى، لأن مَن ذاق طعم الذل والتشتت والعذاب لا تكفيه طبطبة على الكتف، أو قبلات على الرأس. الفتح أولى، لأنه يسير مع عدم منطقية الأمور التي نحياها، فهي سَلطة أولى من سُلطة، وإذا أردت أن تجعلها بالضم فأنت حر.
وظل كل واحد منها يأتي بالحجج التي ترجح وجهة نظره، وأن رأيه هو الصواب، كي يستقيم المعنى في الرأس، في ظل غياب كامل للمنطق الذي لبس عباءته السوداء، وذهب إلى العزاء مبكراً في السرادق المقام على حائط المبكى، حيث آلاف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ في كل صباح، أمام منظمات حقوق الإنسان.
أتعبهم ضم السين وفتحها، حتى فشل كل واحد منها في إقناع صاحبه، وكاد الأمر يصل إلى تبادل التهم، لولا تدخل القارئ الثالث الذي كان مشغولاً بالبحث عن كروية الأرض في نظرية فيثاغورس التي تقول إن الخطوط المستقيمة لا يمكن أن تلتقي في نقطة واحدة، أما المعوجة فتلتقى عند أول نقطة في الطريق، لأن المصالح واحدة.
أدرك القارئ الثالث مدى الخطر الذي سيقع فيه القارئان، بسبب الخلاف الناشب بينهما، فقرر التدخل بسرعة لإنقاذ الموقف، وسألهم عن سبب الخلاف، فأخبراه عن الكلمة التي سببت المشكلة بينها، وهي نفسها سبب المشكلة في كل زمان ومكان، هل هي سُلطة، بضم السين، أم سَلطة، بفتحها؟
قال القارئ الثالث، بعد أن كاد لا يتمالك نفسه من الضحك، الكلمة صحيحة، سواء بالفتح أو الضم، والسياق يجوز فيه الوضعان، بل أكثر من ذلك، فالوضعان مرتبطان ببعضهما أشد ارتباط، فأحدهم يترتب على الآخر؛ فالحاكم إذا تجبر واستغل السُلطة، فلا قيمة هنا للمفاوضات، وإنما هو شكل تمرر فيه أحكامه الجائرة. وهنا تتحول الأمور إلى سَلطة، في غياب من منطقية الأمور التي ولت هاربة من المعركة، وسط الشدة، عندما غابت كلمات المفكرين والمثقفين الذين انزووا على أنفسهم في أحلامهم الوردية.
أعرفتم، الآن، أن الطريق واحد، والأمور مرتبطة ببعضها أشد الارتباط، كارتباط التاريخ بالحاضر والمستقبل، وارتباط الجغرافيا برياضيات فيثاغورس التي يبحث فيها عن وحدة الطريق والتقاء الخطوط المستقيمة.