شاطئ البحر بالنسبة لسكان قطاع غزة هو المتنفس الوحيد الذي يرمون أمامه همومهم اليومية التي تتفاقم بفعل الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الحادي عشر. التيار الكهربائي مقطوع بواقع 14 ساعة مقابل كلّ 4 ساعات تحضر فيها الكهرباء. كذلك، يعيش الأهالي في أزمة اقتصادية حادة حرمتهم الكثير من لوازمهم المنزلية، وهو ما أفقد شهر رمضان بهجته في منازلهم وحاراتهم.
مع ذلك، يجمع شارع الرشيد المقابل لشاطئ البحر كثيرين تحت أعمدة النور، وبالقرب من أضواء عربات الباعة المتجولين، فيعيشون بعضاً من طقوس رمضان. وهكذا تحوّل الشارع الممتد على طول الشاطئ بالنسبة للغزيين، إلى شارع الحياة الرمضانية.
هناك تجلس عائلات بكبارها وأطفالها الذين يجدون فرصة لهو. وهناك الباعة المتجولون ممن يركنون عرباتهم وينشطون في العمل طوال الليل حتى أذان الفجر معلناً نهاية السحور. بذلك، لا تحلّ العتمة على الرشيد أبداً، على عكس بقية شوارع القطاع. في بعض الأيام تبقى مصابيح الشارع مضاءة بلونها الأصفر، وفي أيام التقنين يكتفي الشارع بأضواء المقاهي المنتشرة على طوله، بالإضافة إلى مصابيح العربات.
أم مصطفى أبو حمام (60 عاماً) تخرج كلّ يوم مع أحفادها الأربعة الصغار، من مخيم الشاطئ حتى شارع الرشيد بالقرب من منطقة الشيخ عجلين، وتقضي وقتها مع جاراتها هناك حتى تعود إلى المنزل بعدما يوشك أحفادها على النوم. تقول لـ"العربي الجديد": "بحرنا ملوث ونأمر الأطفال بعدم الاقتراب منه، لكنّ أمامنا مساحة واسعة لا نجدها في قطاع غزة إلا على البحر، فنحن نعيش في سجن في المخيم ولا هواء أو ماء أو كهرباء. هنا نشاهد الكبار والأطفال في نشاطاتهم وسعادتهم وعيشهم الأجواء الرمضانية التي نتمنى ألا يمضي رمضان فتنتهي".
أما ضياء براوي (28 عاماً) فهو يأتي يومياً إلى الشارع بعد صلاة التراويح ويبقى هناك حتى أذان الفجر. يعتبر أنّه الشارع المناسب للتفريغ النفسي له ولأصدقائه الأربعة، لأنّهم جميعاً عاطلون من العمل، بالرغم من أنّهم خريجو محاسبة من جامعة "الأزهر" في غزة، منذ خمسة أعوام. يعتبر براوي أنّ المنازل في غزة عبارة عن ملاجئ للنوم فقط، فالكهرباء تنقطع بمعدل 18 ساعة يومياً، وبذلك فإنّ المنازل تصبح للنوم فقط. يلجأ إلى شارع الرشيد مع أصدقائه للعب الشدة (ورق اللعب) أو تناول مشروبات ساخنة، بالإضافة إلى الترويح عن النفس وتداول الأحاديث العامة. يقول براوي لـ"العربي الجديد": "هنا نتبادل الحديث مع بعضنا عن مواضيع متعلقة ببطولات كرة القدم وتحضيرات كأس العالم في روسيا، أو الأفلام التي نفضلها ما بين السينما الأميركية والهندية، خصوصاً أنّنا تعبنا من هموم السياسة الفلسطينية، ونحاول في هذه الساعات تناسي همومنا وأولها أنّنا عاطلون من العمل ولا نجد أيّ فرصة، فنحن تائهون ما بين ظروف قطاع غزة السياسية والنفسية السيئة والاحتلال".
أحد أقدم الباعة في الشارع، نبيل التتر (38 عاماً) يبيع الذرة المسلوقة والمشوية في الصيف، والبطاطا الحلوة في الشتاء، يلاحظ منذ عامين تزايد الغزيين ممن يأتون إلى الشارع، خصوصاً في شهر رمضان إذ لا يجدون متنفساً يجمعهم غيره. يقول لـ"العربي الجديد": "هذا الشارع يجمع الفقير والغني على مقاعد الرصيف أو الكراسي البلاستيكية، فهموم الحصار واحدة عندهم، وأمامهم البحر يجلسون ويفرغون طاقتهم ويشكون همومهم له ولربهم".
بالرغم من اعتبار الأراضي الساحلية الموجودة في شارع الرشيد الأغلى ثمناً في قطاع غزة، إلا أنّ التنزه فيه هو بأسعار رمزية، إذ يحضر أصحاب عربات المشروبات الساخنة بعضاً من الكراسي البلاستيكية لوضعها بالقرب من العربة واستقطاب الناس للجلوس عليها وبيعهم المشروبات، خصوصاً أنّ شرطة البلدية لا تنفذ حملات نظامية في المساء لا سيما في شهر رمضان.
ربح الباعة متأتٍ من القيمة المضافة للمكان، إذ إنّ ثمن المشروب الذي يبلغ شيكلاً واحداً يتضاعف عند حجز الكرسي، لكنّه مع ذلك أرخص بـ60 في المائة من المشروب نفسه في أيّ مقهى من مقاهي الشارع، بحسب أبو الوليد العريان (40 عاماً) الذي يدير عربة من هذا النوع. يتابع: "هذا شارع البسطاء... شارع الحياة لكلّ سكان قطاع غزة. نحن نسترزق القليل وهم يدفعون القليل في الجلوس وشرب مشروبهم، وعلى هذا المنوال يمضي رمضان هنا". يلفت العريان إلى أنّ معظم أصحاب العربات يأتون في رمضان، وجميعهم أصحاب مهن لكنّهم بسبب الحصار الإسرائيلي توقفوا عن أعمالهم لسوء الظروف الاقتصادية. يشير إلى أنّه هو بالذات كان يعمل نجاراً.
يعتبر شارع الرشيد أطول طريق ساحلي في غزة، وقد حظي بدعم قطري لإعادة بنائه وتوسيعه بقيمة 29 مليوناً و470 ألف دولار بحسب الموقع الإلكتروني للجنة القطرية لإعادة إعمار غزة. وجاء الدعم بعد زيارة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلى غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2012. وافتتح الشارع في سبتمبر/ أيلول 2015، وبات منذ ذلك التاريخ قبلة سكان غزة في فصل الصيف خصوصاً.