على شطرَي الحدود الأفغانيّة الباكستانيّة، تُصفَى النزاعات القبليّة من خلال "سورا". ويُصار إلى تزويج بنات أسرة القاتل بأبناء أسرة القتيل. عن ذلك، يتحدّث الناشط الاجتماعي الباكستاني شاه حسين إلى "العربي الجديد":
- ما هي عادة "سورا"؟
"سورا" عادة موروثة، متّبعة على طرفَي الحدود الأفغانية الباكستانية. نجدها أيضاً في إقليمَي البنجاب والسند الباكستانيين، بمظاهر وطرق مختلفة، ويُطلق عليها اسم "وني". بالرغم من اختلاف تسميات تلك العادة ومظاهرها، إلا أنها في نهاية المطاف عبارة عن تصفية نزاعات بين قبيلتَين أو أسرتَين من خلال تزويج بنات القبيلة أو الأسرة، خصوصاً الصغيرات منهنّ، لا سيّما في القضايا المتعلقة بالقتل.
- كيف تطبَّق هذه العادة؟
كما هو معلوم، النظام السائد في المناطق القبلية على طرفَي حدود البلدَين هو النظام القبلي، وعادة "سورا" جزء من هذا النظام. عندما تقع أحداث قتل، غالباً ما تبذل الجهود القبلية لتصفية النزاع الناشئ. وتعقد اجتماعات بين شيوخ القبائل، يقررون على إثرها تزويج فتاة أو أكثر من أسرة القاتل برجل من أسرة القتيل.
- هل يشترط ذلك رضا الطرفَين؟
لا يشترط عادة رضا الطرفين، خصوصاً إذا كان النزاع بين قبيلتَين. عملية المصالحة التي تتمّ عبر الوساطة القبلية، تبدأ بأخذ ضمانة من الطرفَين أو "مشلغه". وتوكيل الطرفين للوساطة القبلية، تسمّى محلياً "الجركه". في أول جلسة من الاجتماعات القبلية، تحدد قيمة الغرامة التي تكون على شكل مبالغ كبيرة جداً، في حال رفضت أي جهة قبول القرار القبلي. كذلك، يشترط أحياناً حرق منازل الطرف الذي يرفض القرار. بالتالي، لا يحقّ لأي فريق رفض القرار القبلي.
- هل تطبّق "سورا" وحدها، أم تُضاف إليها غرامة مثلاً؟
يختلف الأمر من منطقة إلى أخرى. في المناطق القبلية الأفغانية، يترافق تزويج الفتيات مع دفع غرامة مالية كبيرة، الهدف منها إثقال كاهل أسرة القاتل، حتى لا يجرؤ آخرون على ارتكاب جرائم قتل. كذلك، يكون القصد تدمير أسرة القاتل مادياً. لكن في المناطق القبلية الباكستانية، لا تترافق "سورا" مع غرامة مالية، أو قد يكون الأمر كناية عن مبلغ رمزي في بعض الأحيان. أما في الأقاليم الباكستانية الأخرى، فيقتصر الأمر عادة على تزويج الفتيات فقط.
- هل يُصار إلى تزويج فتاة واحدة أم أكثر في مقابل عمليّة قتل واحدة؟
يختلف ذلك بحسب عادات كل قبيلة، وكذلك بحسب عملية القتل وكيفية حدوثها. هو أمر يعود إلى زعماء القبائل. لكن غالباً ما يُصار إلى تزويج فتاة واحدة في مقابل عملية قتل واحدة. ويؤخذ عمر القتيل في عين الاعتبار.
- هل ينجح ذلك فعلاً في تصفية النزاعات؟
في أكثر الأحيان، تُصفّى النزاعات. لكن ثمّة من يرفض القرار القبلي. وهؤلاء سوف يضطرون لا محالة إلى ترك المنطقة. وقد تعمد القبائل إلى حرق منزلها، إذا كانت أسرة واحدة، أو منازلها إذا كانت أكثر من أسرة. ومن الممكن أن يفضي ذلك إلى نزاعات أخرى. أذكر هنا نزاعاً نجم عنه آخر، أدى إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص. قتل أحد أبناء القبائل قريبه، فقرّر الاجتماع القبلي أن يزوّج شقيق القاتل ابنته بأحد أبناء القتيل. لكن الرجل رفض ذلك وزوّجها بشخص آخر من خارج القبيلة.
- هل يترافق تطبيق تلك العادة مع حفل ما أو مراسم معيّنة؟
كلا، عادة لا تُقام حفلات زفاف، ولا تُعامَل المرأة أو الفتاة التي يُصار إلى تزويجها كعروس. هي تؤخذ من قبل أسرة القتيل، بلباس واحد، في إشارة إلى معاقبة أسرة القاتل. أما الأسوأ فهو أن الفتاة التي يُصار إلى تزويجها لا تعود أبداً إلى بيت أبيها. أعرف فتاة في إحدى القرى القريبة من قريتنا زوّجت لتصفية نزاع تورّط فيه أحد إخوتها، لن ترجع إلى بيت أبيها طوال ثلاثين عاماً. تجدر الإشارة إلى أن كثيرين هم الشباب الذين لا يقبلون بالزواج بحسب "سورا" إلا بصعوبة، لكنهم عادة ما يتزوجون ثانية.
- يقال إن المسنين يتزوّجون من القاصرات عادة. هل هذا صحيح؟
نعم، وبالتأكيد تكون تلك فرصة لتزويج الأرامل. ولا بدّ من التشديد على أنه من الظلم تزويج القاصرات بكبار السن، إذ من شأن ذلك تدمير حياة مئات النساء والفتيات. والمسنّون ليسوا الوحيدين الذين يتزوّجون من قاصرات، إذ يُصار إلى تزويج أطفال. أعرف طفلاً في الخامسة من عمره زوّج بفتاة في العاشرة.
- يلاحَظ في الآونة الأخيرة تغيير ما في هذه العادة...
بالتأكيد ثمّة تغيير، فقد انخفضت وتيرة تطبيق هذه العادة ولو نسبياً. كذلك ثمّة أصوات ترتفع ضدها في الأوساط القبلية. ويعود ذلك إلى ارتفاع نسبة التعليم بين الجنسين، بالإضافة إلى أن النظام القبلي راح يتدهور في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد الحرب على ما يوصف بالإرهاب. كذلك، ساهم احتكاك القبائل بعضها ببعض وانتشارها في المدن، في تراجع تطبيق هذه العادة وممارستها ولو نسبياً.
- ما دور المجتمع المدني في معالجة مثل هذه القضايا؟
أهل القبائل لا يعرفون في الأساس مصطلح المجتمع المدني، الذي لا دور له في مناطقهم. لكن في مناطق أخرى مثل إقليم السند والبنجاب، نجد ناشطين يرفعون أصواتهم مرّة بعد أخرى في وجه مثل هذه العادات.
- لعلماء الدين دور بارز في القبائل. ما هو دورهم في هذا المجال تحديداً؟
العلماء انقسموا إلى مجموعتَين، منهم الذين يوالون النظام القبلي وبالتالي أصبحوا جزءاً منه، وآخرون يرفضون بعض عادات النظام القبلي من قبيل هذه العادة. دور هؤلاء ينحصر في إلقاء الخطب والدروس لتبيان مضار هذه العادة. لكن ما من عمل ممنهج لمعالجة هذه القضية.
- هل للحكومة أي دور هنا؟
قانونياً، تعترف الحكومة بالنظام القبلي. لكن مثل هذه الأمور تعدّ انتهاكاً صريحاً لسيطرة الدولة. النظام القبلي في هذه الحال، يعمد إلى حل القضية كبديل عن المحاكم الباكستانية. بالتالي يأتي ذلك كدولة في داخل الدولة. تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه العادات التي تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان، تُسجّل أيضاً في مناطق غير تلك التي تقع تحت سيطرة القبائل. وهو ما يشير إلى ضعف سيطرة الدولة وعدم جديتها في حل قضايا الشعب الرئيسية.
ناشط اجتماعيّ حقوقيّ
شاه حسين (40 عاماً) ناشط اجتماعي وحقوقي. ولد في مدينة بشاور، وحاز على شهادة ماجستير في الآداب الإنجليزية من جامعتها. كذلك، يحمل شهادة ماجستير ثانية في السياسة من جامعة البنجاب، وثالثة في الإعلام من جامعة علامة إقبال في إسلام آباد. هو كان عضواً في النقابات الطالبية وبعض المؤسسات الحقوقية في خلال دراسته، وبعد التخرّج عمل في عدد من المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالشؤون الاجتماعية. حالياً، هو يعمل في مؤسسة "حقوق البشر" الوطنية كمسؤول قسم المرأة والطفل.
إقرأ أيضاً: "الباشا بوش".. فتيات مختبئات في أزياء الذكور في أفغانستان
- ما هي عادة "سورا"؟
"سورا" عادة موروثة، متّبعة على طرفَي الحدود الأفغانية الباكستانية. نجدها أيضاً في إقليمَي البنجاب والسند الباكستانيين، بمظاهر وطرق مختلفة، ويُطلق عليها اسم "وني". بالرغم من اختلاف تسميات تلك العادة ومظاهرها، إلا أنها في نهاية المطاف عبارة عن تصفية نزاعات بين قبيلتَين أو أسرتَين من خلال تزويج بنات القبيلة أو الأسرة، خصوصاً الصغيرات منهنّ، لا سيّما في القضايا المتعلقة بالقتل.
- كيف تطبَّق هذه العادة؟
كما هو معلوم، النظام السائد في المناطق القبلية على طرفَي حدود البلدَين هو النظام القبلي، وعادة "سورا" جزء من هذا النظام. عندما تقع أحداث قتل، غالباً ما تبذل الجهود القبلية لتصفية النزاع الناشئ. وتعقد اجتماعات بين شيوخ القبائل، يقررون على إثرها تزويج فتاة أو أكثر من أسرة القاتل برجل من أسرة القتيل.
- هل يشترط ذلك رضا الطرفَين؟
لا يشترط عادة رضا الطرفين، خصوصاً إذا كان النزاع بين قبيلتَين. عملية المصالحة التي تتمّ عبر الوساطة القبلية، تبدأ بأخذ ضمانة من الطرفَين أو "مشلغه". وتوكيل الطرفين للوساطة القبلية، تسمّى محلياً "الجركه". في أول جلسة من الاجتماعات القبلية، تحدد قيمة الغرامة التي تكون على شكل مبالغ كبيرة جداً، في حال رفضت أي جهة قبول القرار القبلي. كذلك، يشترط أحياناً حرق منازل الطرف الذي يرفض القرار. بالتالي، لا يحقّ لأي فريق رفض القرار القبلي.
- هل تطبّق "سورا" وحدها، أم تُضاف إليها غرامة مثلاً؟
يختلف الأمر من منطقة إلى أخرى. في المناطق القبلية الأفغانية، يترافق تزويج الفتيات مع دفع غرامة مالية كبيرة، الهدف منها إثقال كاهل أسرة القاتل، حتى لا يجرؤ آخرون على ارتكاب جرائم قتل. كذلك، يكون القصد تدمير أسرة القاتل مادياً. لكن في المناطق القبلية الباكستانية، لا تترافق "سورا" مع غرامة مالية، أو قد يكون الأمر كناية عن مبلغ رمزي في بعض الأحيان. أما في الأقاليم الباكستانية الأخرى، فيقتصر الأمر عادة على تزويج الفتيات فقط.
- هل يُصار إلى تزويج فتاة واحدة أم أكثر في مقابل عمليّة قتل واحدة؟
يختلف ذلك بحسب عادات كل قبيلة، وكذلك بحسب عملية القتل وكيفية حدوثها. هو أمر يعود إلى زعماء القبائل. لكن غالباً ما يُصار إلى تزويج فتاة واحدة في مقابل عملية قتل واحدة. ويؤخذ عمر القتيل في عين الاعتبار.
- هل ينجح ذلك فعلاً في تصفية النزاعات؟
في أكثر الأحيان، تُصفّى النزاعات. لكن ثمّة من يرفض القرار القبلي. وهؤلاء سوف يضطرون لا محالة إلى ترك المنطقة. وقد تعمد القبائل إلى حرق منزلها، إذا كانت أسرة واحدة، أو منازلها إذا كانت أكثر من أسرة. ومن الممكن أن يفضي ذلك إلى نزاعات أخرى. أذكر هنا نزاعاً نجم عنه آخر، أدى إلى مقتل أكثر من عشرة أشخاص. قتل أحد أبناء القبائل قريبه، فقرّر الاجتماع القبلي أن يزوّج شقيق القاتل ابنته بأحد أبناء القتيل. لكن الرجل رفض ذلك وزوّجها بشخص آخر من خارج القبيلة.
- هل يترافق تطبيق تلك العادة مع حفل ما أو مراسم معيّنة؟
كلا، عادة لا تُقام حفلات زفاف، ولا تُعامَل المرأة أو الفتاة التي يُصار إلى تزويجها كعروس. هي تؤخذ من قبل أسرة القتيل، بلباس واحد، في إشارة إلى معاقبة أسرة القاتل. أما الأسوأ فهو أن الفتاة التي يُصار إلى تزويجها لا تعود أبداً إلى بيت أبيها. أعرف فتاة في إحدى القرى القريبة من قريتنا زوّجت لتصفية نزاع تورّط فيه أحد إخوتها، لن ترجع إلى بيت أبيها طوال ثلاثين عاماً. تجدر الإشارة إلى أن كثيرين هم الشباب الذين لا يقبلون بالزواج بحسب "سورا" إلا بصعوبة، لكنهم عادة ما يتزوجون ثانية.
- يقال إن المسنين يتزوّجون من القاصرات عادة. هل هذا صحيح؟
نعم، وبالتأكيد تكون تلك فرصة لتزويج الأرامل. ولا بدّ من التشديد على أنه من الظلم تزويج القاصرات بكبار السن، إذ من شأن ذلك تدمير حياة مئات النساء والفتيات. والمسنّون ليسوا الوحيدين الذين يتزوّجون من قاصرات، إذ يُصار إلى تزويج أطفال. أعرف طفلاً في الخامسة من عمره زوّج بفتاة في العاشرة.
- يلاحَظ في الآونة الأخيرة تغيير ما في هذه العادة...
بالتأكيد ثمّة تغيير، فقد انخفضت وتيرة تطبيق هذه العادة ولو نسبياً. كذلك ثمّة أصوات ترتفع ضدها في الأوساط القبلية. ويعود ذلك إلى ارتفاع نسبة التعليم بين الجنسين، بالإضافة إلى أن النظام القبلي راح يتدهور في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد الحرب على ما يوصف بالإرهاب. كذلك، ساهم احتكاك القبائل بعضها ببعض وانتشارها في المدن، في تراجع تطبيق هذه العادة وممارستها ولو نسبياً.
- ما دور المجتمع المدني في معالجة مثل هذه القضايا؟
أهل القبائل لا يعرفون في الأساس مصطلح المجتمع المدني، الذي لا دور له في مناطقهم. لكن في مناطق أخرى مثل إقليم السند والبنجاب، نجد ناشطين يرفعون أصواتهم مرّة بعد أخرى في وجه مثل هذه العادات.
- لعلماء الدين دور بارز في القبائل. ما هو دورهم في هذا المجال تحديداً؟
العلماء انقسموا إلى مجموعتَين، منهم الذين يوالون النظام القبلي وبالتالي أصبحوا جزءاً منه، وآخرون يرفضون بعض عادات النظام القبلي من قبيل هذه العادة. دور هؤلاء ينحصر في إلقاء الخطب والدروس لتبيان مضار هذه العادة. لكن ما من عمل ممنهج لمعالجة هذه القضية.
- هل للحكومة أي دور هنا؟
قانونياً، تعترف الحكومة بالنظام القبلي. لكن مثل هذه الأمور تعدّ انتهاكاً صريحاً لسيطرة الدولة. النظام القبلي في هذه الحال، يعمد إلى حل القضية كبديل عن المحاكم الباكستانية. بالتالي يأتي ذلك كدولة في داخل الدولة. تجدر الإشارة إلى أن مثل هذه العادات التي تنطوي على انتهاكات لحقوق الإنسان، تُسجّل أيضاً في مناطق غير تلك التي تقع تحت سيطرة القبائل. وهو ما يشير إلى ضعف سيطرة الدولة وعدم جديتها في حل قضايا الشعب الرئيسية.
ناشط اجتماعيّ حقوقيّ
شاه حسين (40 عاماً) ناشط اجتماعي وحقوقي. ولد في مدينة بشاور، وحاز على شهادة ماجستير في الآداب الإنجليزية من جامعتها. كذلك، يحمل شهادة ماجستير ثانية في السياسة من جامعة البنجاب، وثالثة في الإعلام من جامعة علامة إقبال في إسلام آباد. هو كان عضواً في النقابات الطالبية وبعض المؤسسات الحقوقية في خلال دراسته، وبعد التخرّج عمل في عدد من المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالشؤون الاجتماعية. حالياً، هو يعمل في مؤسسة "حقوق البشر" الوطنية كمسؤول قسم المرأة والطفل.
إقرأ أيضاً: "الباشا بوش".. فتيات مختبئات في أزياء الذكور في أفغانستان