يعيش الكثير من الشباب السوريين حالة من الضياع والفوضى بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل. وإذا وجدت، فإنّ الدخل لم يعد يؤمّن لهم الحد الأدنى من احتياجاتهم
انتصف النهار ولم يستفق أمجد، الشاب العشريني والطالب الجامعي، على الرغم من كل محاولات والدته. راحت تُنادي عليه بصوت مرتفع وترفع الغطاء عن وجهه، من دون نتيجة. كان يكتفي فقط بتغيير وضعية نومه. إلى جانبه، منفضة سجائر ممتلئة وفناجين فارغة كان يشرب فيها المتة والشاي والقهوة.
لم تتوقّف أم أمجد عن المحاولة. كانت تتحدّث بصوت مرتفع عن فشله في دراسته الجامعية وكيف خسر مستقبله، بعدما عجز عن الانتقال إلى السنة الدراسية الثانية على مدى ثلاث سنوات. كما تطرقت إلى لامبالاته وسلبيته حيال مسؤولياته المنزلية، إضافة إلى ضرورة إيجاد عمل يؤمن عبره مصروفه الشخصي وثمن سجائره.
تقول لـ "العربي الجديد": "لا أدري ماذا أفعل. الوضع يزداد سوءاً. نادراً ما يجلس معنا. وإن جلس فلا يتكلم. وحين نحدثه عن ضرورة إيجاد عمل وتغيير روتين حياته، إما يدخل إلى غرفته أو يغادر المنزل ولا يعود إلا في وقت متأخر، حين نكون قد ذهبنا إلى النوم". تضيف: "لا أعلم ما الذي غيره. كان طالباً مجتهداً. لكن بعدما دخل الجامعة، أصبح متطلباً بما يفوق إمكانياتنا. والده موظف وبالكاد يؤمن احتياجات المنزل. أصبح المال والعمل يأخذان من وقته الكثير، واكتشفنا أنه يدخن السجائر. مع الوقت، بدأ يتغيب عن الجامعة، وراح يبحث عن عمل ما استغرق وقتاً طويلاً. في إحدى المرات، عمل في محل لبيع الملابس الجاهزة، ومرة على بسطة متنقلة، وفي مطعم. لكن كان ينتظر فترات طويلة ليجد عملاً من دون أن يكون راضياً سواء لناحية طبيعة العمل أو الدخل".
اقــرأ أيضاً
استفاق أمجد بعد فترة من الوقت. لم يرغب في إكمال الجلسة بوجود والدته، ودخل غرفته من جديد، وبدأ يدخن. يقول لـ "العربي الجديد": "ما من أحد يشعر معي. في الجامعة، لم أستطع الدخول مع أصدقائي إلى المقصف لأنني لا أملك ثمن كأس من الشاي، أو قطعة ثياب جديدة. أريد أن أعمل حتى أتمكن من شراء علبة سجائر. لكن ما من فرص عمل. وإن وجدت، فغالباً ما يكون الدوام طويلاً، بينما لا يكفي الدخل لتأمين بدل المواصلات أو السجائر وغيرها".
يُتابع أمجد: "أصبحت لا أطيق الجلوس مع أحد حتى مع أفراد عائلتي، لأن لا حديث غير إضاعة مستقبلي في الجامعة، وضرورة إيجاد عمل حتى أتوقف عن طلب ثمن السجائر على الأقل. أسهر طوال الليل. وحين أستيقظ، أذهب إلى أحد أصدقائي. وإذا لم أجد أحداً أذهب إليه، أجلس في الشارع أراقب المارة حتى وقت متأخر من الليل حتى يكون قد نام أفراد عائلتي. أحياناً تكون أمي في انتظاري، إلا أنها لم تعد تستفزني".
أمجد ليس حالة فريدة. الكثير من الشباب يعيشون أوضاعاً مشابهة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل. وإن وجدت، فإنّ الدخل لم يعد يؤمّن لهم الحد الأدنى من احتياجاتهم، كحال أسامة نجار، الذي سيبلغ الثلاثين من العمر قريباً. أنهى دراسته الجامعية قبل نحو خمس سنوات. كان يعتقد أنه محظوظ، إذ لم يطلب للخدمة العسكرية الإلزامية ضمن قوات النظام، لكنه شعر بخيبة أمل بسبب عدم وجود فرص عمل. يضيف: "كنت أعتقد أنه ما إن أحصل على شهادتي، حتى أجد فرصة عمل. لكن الواقع كان مختلفاً. حاولت العمل في القطاع العام من دون جدوى".
يُتابع: "أصبحت أخجل من الجلوس مع الأقرباء. غالباً ما يكون السؤال الأول: ماذا تعمل في الوقت الحالي؟ وإن أخبرتهم بأنني لا أعمل، يبدؤون في تقديم النصائح للبحث عن عمل، إضافة إلى ضرورة الزواج وتأمين منزل. لكن ما زلت أحصل على مصروفي من أبي".
يشعر نجار بالخجل والألم معاً حين يتحدث عن الأعمال التي اضطر إلى القبول بها بعد تخرجه. ويسأل: "لماذا درست إن كنت سأعمل في محل لبيع الحلويات أو سائق سيارة أجرة أو غيرها من أعمال لا يمكن أن يشعر بها الشاب بالاستقرار؟ غالباً ما كنت أخفي أنني أحمل إجازة جامعية عندما أسأل عن عمل، خصوصاً بعدما رفض أحد محال بيع المواد الغذائية بالجملة تشغيلي، بحجة أن التعامل مع حملة الإجازات الجامعية صعب".
اقــرأ أيضاً
أما هيام صالح (24 عاماً)، فخرجت من المدرسة بعدما حصلت على شهادة التعليم الأساسي، واتجهت إلى تعلم الخياطة، وأصبحت تجيد العمل على الماكينة. لكنها تقول لـ "العربي الجديد": "لم يعد هناك فرص عمل. الورش مليئة بالعاملات والأجور متدنية جداً". تضيف: "تركت آخر ورشة خياطة قبل نهاية العام الماضي، بعدما توقفت عن العمل بسب ارتفاع سعر الدولار. أصبحت التكاليف مرتفعة جداً. ومنذ ذلك الوقت لم أجد عملاً آخراً. طبعاً، سبق وأن توقفت عن العمل لأشهر طويلة بسبب الأوضاع في البلاد".
وتلفت إلى أن "جلوسها من دون عمل في المنزل أصبح يتسبّب بوقوع مشاكل بينها وبين أفراد عائلتها. أمي تريدني القيام بواجبات منزلية بحجة أنه ليس لدي عمل. وإن احتجت إلى شراء شيء ما، أُحاسب لأنني لم أكن أقتصد في مصاريفي عندما كنت في العمل. لذلك لم أجمع مالاً يقيني من العوز".
وتعرب عن شعورها بأن "أفراد عائلتها، خصوصاً النساء، زاد اهتمامهم بموضوع تزويجها، حتى أن إحدى عماتها قالت لها إن عليها الزواج لتخفف عن والدها وشقيقها المصروف"، الأمر الذي تسبب لها بكثير من الضيق النفسي. اليوم، تحاول أن تجد عملا بأي راتب لتهرب من الضغوط العائلية.
لم تتوقّف أم أمجد عن المحاولة. كانت تتحدّث بصوت مرتفع عن فشله في دراسته الجامعية وكيف خسر مستقبله، بعدما عجز عن الانتقال إلى السنة الدراسية الثانية على مدى ثلاث سنوات. كما تطرقت إلى لامبالاته وسلبيته حيال مسؤولياته المنزلية، إضافة إلى ضرورة إيجاد عمل يؤمن عبره مصروفه الشخصي وثمن سجائره.
تقول لـ "العربي الجديد": "لا أدري ماذا أفعل. الوضع يزداد سوءاً. نادراً ما يجلس معنا. وإن جلس فلا يتكلم. وحين نحدثه عن ضرورة إيجاد عمل وتغيير روتين حياته، إما يدخل إلى غرفته أو يغادر المنزل ولا يعود إلا في وقت متأخر، حين نكون قد ذهبنا إلى النوم". تضيف: "لا أعلم ما الذي غيره. كان طالباً مجتهداً. لكن بعدما دخل الجامعة، أصبح متطلباً بما يفوق إمكانياتنا. والده موظف وبالكاد يؤمن احتياجات المنزل. أصبح المال والعمل يأخذان من وقته الكثير، واكتشفنا أنه يدخن السجائر. مع الوقت، بدأ يتغيب عن الجامعة، وراح يبحث عن عمل ما استغرق وقتاً طويلاً. في إحدى المرات، عمل في محل لبيع الملابس الجاهزة، ومرة على بسطة متنقلة، وفي مطعم. لكن كان ينتظر فترات طويلة ليجد عملاً من دون أن يكون راضياً سواء لناحية طبيعة العمل أو الدخل".
استفاق أمجد بعد فترة من الوقت. لم يرغب في إكمال الجلسة بوجود والدته، ودخل غرفته من جديد، وبدأ يدخن. يقول لـ "العربي الجديد": "ما من أحد يشعر معي. في الجامعة، لم أستطع الدخول مع أصدقائي إلى المقصف لأنني لا أملك ثمن كأس من الشاي، أو قطعة ثياب جديدة. أريد أن أعمل حتى أتمكن من شراء علبة سجائر. لكن ما من فرص عمل. وإن وجدت، فغالباً ما يكون الدوام طويلاً، بينما لا يكفي الدخل لتأمين بدل المواصلات أو السجائر وغيرها".
يُتابع أمجد: "أصبحت لا أطيق الجلوس مع أحد حتى مع أفراد عائلتي، لأن لا حديث غير إضاعة مستقبلي في الجامعة، وضرورة إيجاد عمل حتى أتوقف عن طلب ثمن السجائر على الأقل. أسهر طوال الليل. وحين أستيقظ، أذهب إلى أحد أصدقائي. وإذا لم أجد أحداً أذهب إليه، أجلس في الشارع أراقب المارة حتى وقت متأخر من الليل حتى يكون قد نام أفراد عائلتي. أحياناً تكون أمي في انتظاري، إلا أنها لم تعد تستفزني".
أمجد ليس حالة فريدة. الكثير من الشباب يعيشون أوضاعاً مشابهة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم وجود فرص عمل. وإن وجدت، فإنّ الدخل لم يعد يؤمّن لهم الحد الأدنى من احتياجاتهم، كحال أسامة نجار، الذي سيبلغ الثلاثين من العمر قريباً. أنهى دراسته الجامعية قبل نحو خمس سنوات. كان يعتقد أنه محظوظ، إذ لم يطلب للخدمة العسكرية الإلزامية ضمن قوات النظام، لكنه شعر بخيبة أمل بسبب عدم وجود فرص عمل. يضيف: "كنت أعتقد أنه ما إن أحصل على شهادتي، حتى أجد فرصة عمل. لكن الواقع كان مختلفاً. حاولت العمل في القطاع العام من دون جدوى".
يُتابع: "أصبحت أخجل من الجلوس مع الأقرباء. غالباً ما يكون السؤال الأول: ماذا تعمل في الوقت الحالي؟ وإن أخبرتهم بأنني لا أعمل، يبدؤون في تقديم النصائح للبحث عن عمل، إضافة إلى ضرورة الزواج وتأمين منزل. لكن ما زلت أحصل على مصروفي من أبي".
يشعر نجار بالخجل والألم معاً حين يتحدث عن الأعمال التي اضطر إلى القبول بها بعد تخرجه. ويسأل: "لماذا درست إن كنت سأعمل في محل لبيع الحلويات أو سائق سيارة أجرة أو غيرها من أعمال لا يمكن أن يشعر بها الشاب بالاستقرار؟ غالباً ما كنت أخفي أنني أحمل إجازة جامعية عندما أسأل عن عمل، خصوصاً بعدما رفض أحد محال بيع المواد الغذائية بالجملة تشغيلي، بحجة أن التعامل مع حملة الإجازات الجامعية صعب".
أما هيام صالح (24 عاماً)، فخرجت من المدرسة بعدما حصلت على شهادة التعليم الأساسي، واتجهت إلى تعلم الخياطة، وأصبحت تجيد العمل على الماكينة. لكنها تقول لـ "العربي الجديد": "لم يعد هناك فرص عمل. الورش مليئة بالعاملات والأجور متدنية جداً". تضيف: "تركت آخر ورشة خياطة قبل نهاية العام الماضي، بعدما توقفت عن العمل بسب ارتفاع سعر الدولار. أصبحت التكاليف مرتفعة جداً. ومنذ ذلك الوقت لم أجد عملاً آخراً. طبعاً، سبق وأن توقفت عن العمل لأشهر طويلة بسبب الأوضاع في البلاد".
وتلفت إلى أن "جلوسها من دون عمل في المنزل أصبح يتسبّب بوقوع مشاكل بينها وبين أفراد عائلتها. أمي تريدني القيام بواجبات منزلية بحجة أنه ليس لدي عمل. وإن احتجت إلى شراء شيء ما، أُحاسب لأنني لم أكن أقتصد في مصاريفي عندما كنت في العمل. لذلك لم أجمع مالاً يقيني من العوز".
وتعرب عن شعورها بأن "أفراد عائلتها، خصوصاً النساء، زاد اهتمامهم بموضوع تزويجها، حتى أن إحدى عماتها قالت لها إن عليها الزواج لتخفف عن والدها وشقيقها المصروف"، الأمر الذي تسبب لها بكثير من الضيق النفسي. اليوم، تحاول أن تجد عملا بأي راتب لتهرب من الضغوط العائلية.