مرة جديدة، تضرب السيارات المفخخة قلب العاصمة العراقية، بغداد، فيما تقف قوات الأمن العراقية متفرجة عاجزة عن وقفها، وتكتفي بشن حملات اعتقال عشوائية، تنفذها مساء كل يوم في أحياء ومناطق سكنية ذات مكونات طائفية محددة، فيما يواجه رئيس الوزراء حيدر العبادي وقيادات عسكرية الملامة بسبب دفعهم بغالبية القوات القتالية إلى الأنبار وإبقاء بغداد ساحة مفتوحة تمكّن التنظيم من اختراقها، على حدّ تعبير سياسيين ورجال دين في جنوب العراق.
اقرأ أيضاً: "داعش" يسحب القوات الأمنيّة إلى الجبهات ويضرب أمن بغداد
وبحسب مصادر أمن عراقية في بغداد، فقد ارتفع عدد السيارات المفخخة التي ضربت العاصمة ومحيطها منذ الجمعة الماضية إلى 11 سيارة مفخخة و9 عبوات ناسفة أودت بحياة 83 شخصاً غالبيتهم مدنيون، وأصيب أكثر من 120 آخرين بجروح، وتركزت تلك التفجيرات في جانب الرصافة من بغداد واستهدفت بالعادة أسواقاً شعبية وحواجز تفتيش ونقاطاً أمنية للمراقبة ومقرات للمليشيات.
وقال مسؤول رفيع بالشرطة العراقية، فضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد" إن "التفجيرات تنذر بما هو أسوأ من ذلك؛ فهذا يعني وجود خلايا لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في بغداد، تتحرك بحرية ولها مصنع لإعداد المفخخات وصناعة العبوات الناسفة. ومن جرى اعتقالهم قبل أيام مجرد مدنيين".
وأضاف المسؤول نفسه وهو عقيد بقيادة شرطة بغداد الكرخ أن "رئيس الوزراء دفع بقوات اللواء 56 إلى الفلوجة وقوات قتالية أخرى ظناً منه أنهم سيحسمون المعركة لكن هذا أثر على أمن بغداد بشكل كبير كما يتبين الآن". وأكد أن أكثر من 500 مواطن جرى اعتقالهم غالبيتهم شبان تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً خلال أسبوع في بغداد، لكن التفجيرات لا زالت مستمرة وهناك حالة من الارتباك في صفوف القوات العراقية وكذلك المليشيات؛ فالسيارات المفخخة وصلت لمناطق محصنة لا يمكن لأي شخص دخولها".
وتابع العقيد العراقي أن "داعش، وفقاً لآخر الإحصائيات والمعلومات، نجح باختراق المنظومة الأمنية ببغداد وجند عناصر فيها لصالحه وهذا يفسر الكثير من الوضع الأمني ببغداد ومحيطها".
من جهته، قال عضو مجلس العاصمة بغداد علي نعمة، إن "التفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة هي الأعنف منذ مدة طويلة على الرغم من الإجراءات المتخذة وهذا يدفعنا للمطالبة بإعادة النظر بتلك الخطة التي وصفها بعض القادة بالحديدية". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الكذب هو من أوصل العراق لهذه الحالة؛ فالكل يكذب على الكل ولا يتأذى سوى المواطن البسيط".
بدوره، رأى عضو البرلمان العراقي محمد الجاف بحديث مقتضب لـ"العربي الجديد" أن "التفجيرات الأخرى ناتجة عن خلل كبير وسوء تقدير". وأضاف أن "داعش استغل الوضع ليهاجم بغداد من الداخل بواسطة المفخخات التي لا يبدو أنها ستتوقف الآن على أقل تقدير"، داعياً رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة إلى إجراء تغييرات سريعة في القيادات الأمنية.
من جهته، ذكّر عضو جبهة "الحراك الشعبي" العراقية وليد أحمد، من خلال "العربي الجديد" رئيس الوزراء، داعياً إلى إصدار أوامره بإطلاق سراح "الأبرياء الذين تم اعتقالهم دون وجه حق ولا دليل والكف عن رفع شعارات المصالحة الوطنية بالعراق، بل عليه أن يصلح بغداد؛ فجرائم المليشيات فيها دعاية مجانية لداعش عند السكان".
وتشهد بغداد منذ أيام إجراءات أمنية واسعة ومشددة تمثلت بإغلاق عدد من الطرق المؤدية للمنطقة الخضراء والوزارات والمقرات الأمنية. كما تعمد المليشيات إلى إغلاق الطرق المؤدية لمقراتها ومنازل قادتها، فيما أقيمت حواجز تفتيش ونقاط مراقبة على مدار اليوم فضلاً عن حملات اعتقالات عشوائية بدون مذكرات قضائية لا تتوقف على اعتقال المواطنين من مكونات معينة في بغداد، بل بسرقات يقوم بها الجنود وأفراد الشرطة للمنزل الذي يقتحمونه.
وقال المواطن محمد فاضل (56 عاماً) الذي يسكن إلى جانب الكرخ من بغداد، لـ"العربي الجديد" "اقتحموا منزلي ليلة الثلاثاء واعتقلوا أولادي فراس ومازن والأول طالب بالجامعة والثاني عامل في ورشة لصبغ السيارات. وبعد الضرب والشتم وتكسير الأثاث وقلب الفراش والملابس، سرقوا مصوغات ذهبية و7 آلاف دولار وأكلوا من الثلاجة بعض الفواكه، بينما نحن ننظر إليهم يضحكون والأولاد مقيدون معصوبو الأعين". قبل أن يضيف "لن أبقى دقيقة واحدة بالعراق بعد الآن".