شبح فراغ دستوري في العراق: المفاوضات مجمدة بانتظار "المفوضية"

31 مايو 2018
ألغت مفوضية الانتخابات أكثر من 1000 محطة(صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -


تراجعت فرص إرسال الأسماء النهائية للفائزين في الانتخابات البرلمانية في العراق إلى مجلس القضاء الأعلى للمصادقة عليها واعتمادها رسمياً ضمن الكتل والأحزاب الفائزة. فقرارات البرلمان المتتالية ضد مفوضية الانتخابات ونتائجها من جهة، واستمرار عمل اللجنة الوزارية الحكومية للتحقيق بتهم التلاعب بالانتخابات والتزوير من جهة أخرى، فضلاً عن إبداء المفوضية، خلال الساعات الماضية، مرونة في التجاوب مع شكاوى التزوير، عبر الإعلان عن إلغاء أصوات أكثر من 1000 محطة اقتراع في العراق وخارجه، يجعل جميع المؤشرات تتجه إلى سيناريو حصول أزمة دستورية جديدة في العراق، في حال لم يُحسم الجدل بشأن قانونية قرارات البرلمان من عدمها، وكذلك انتهاء اللجان التحقيقية من تقاريرها النهائية.

وبموجب الدستور فإن ولاية الحكومة العراقية ستنتهي في الأول من يوليو/ تموز المقبل، وهي ستتحول، بموجب الدستور، بشكل آلي، إلى حكومة تصريف أعمال بلا صلاحيات شاملة، وهو ما يتخوّف مراقبون أن يؤثر على الوضع الأمني الهش بالبلاد، خصوصاً مع تسجيل هجمات لتنظيم "داعش" في مدن في شمال وغرب العراق خلال اليومين الماضيين، ذهب ضحيتها عدد من المدنيين والعسكريين. ومن المقرر أن تعقد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات اجتماعاً طارئاً خلال الساعات المقبلة، للرد على قرارات البرلمان العراقي، التي تضمنت إلغاء نتائج اقتراع المغتربين والنازحين (نحو مليون و50 ألف صوت)، فضلاً عن إعادة العد والفرز يدوياً، وبشكل عشوائي، لعشرة في المائة من محطات الاقتراع، للتأكد من وجود حالات تلاعب بنقل البيانات والنتائج وعمليات الإدخال الإلكترونية للمعلومات، وقرار ثالث يتعلق بعدم إتلاف أي من المواد الانتخابية واعتبارها مواد محمية بحكم القانون.

واستبقت مفوضية الانتخابات اجتماعها بقرار مفاجئ، إذ أعلنت، في بيان، إلغاء أكثر من 1000 محطة انتخابية في الداخل والخارج، من أصل 54 ألف محطة، مؤكدة أنها شكلت لجاناً تحقيقية لمحاسبة المقصرين، بينما دعت كتل سياسية إلى سرعة تنفيذ قرار البرلمان بإعادة العد والفرز يدوياً وإلغاء نتائج الخارج والتصويت المشروط. وأكدت المفوضية أنها "شكلت لجاناً فنية وقانونية من موظفي المفوضية، عملت لعدة أيام. وتم وفقاً لتقاريرها إلغاء هذه المحطات البالغ عددها ألف و21 محطة انتخابية داخل العراق وخارجه". وأشارت إلى "تشكيل لجان تحقيقية لمحاسبة المقصرين"، مؤكدة "سلامة إجراءاتها في أجهزة العد والفرز الإلكتروني". ولم تكشف المفوضية عن مجموع أصوات الناخبين في المحطات الملغاة، إلا أنه، ووفقاً لمعدل حجم محطات الاقتراع في العراق، فإنها تبلغ أكثر 50 ألف صوت انتخابي. وينتظر أن توضح مفوضية الانتخابات، بعد اجتماع مقرر اليوم الخميس، إذا أدى الإلغاء إلى تراجع أصوات مرشحين فازوا في الانتخابات ضمن نتائج الأسبوع الماضي، وبالتالي خسارتهم أم لا؟


وأعقبت قرارات البرلمان تلك موجة من الجدل في العراق حول قانونيتها ومدى إمكانية تنفيذها، وعدم امتلاك البرلمان صلاحية على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. وبدا الانقسام واضحاً بين المؤيدين والرافضين لقرارات البرلمان، إذ رحبت الكتل الخاسرة أو التي تراجعت حصتها جراء الانتخابات، أبرزها "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، و"الوطنية"، بزعامة، إياد علاوي، فيما تحفظ عليها تحالف "سائرون"، بزعامة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و"الفتح" بزعامة هادي العامري، و"النصر" بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي اعتبر في مؤتمر صحافي أن "الدعوة إلى إلغاء النتائج الانتخابية أمر غير صحيح ولا يمكن القبول به"، مستغرباً، في الوقت ذاته، صدور تصريح عن عضو في المفوضية حذر فيه بحرب أهلية في حال ألغيت النتائج.

من جانبه، قال عضو لجنة تقصي الحقائق في البرلمان، عادل نوري، وهي لجنة شكلها البرلمان قبل أيام قليلة لمتابعة ملف الطعون بالانتخابات، إن "التحقيقات مستمرة ومسألة رفع دعوى قضائية ضد أعضاء المفوضية بتهمة التزوير واردة جداً"، مبيناً، في حديث مع "العربي الجديد"، أنهم قد يواجهون السجن من خلال الأدلة الدامغة على التزوير، وكذلك عدم كفاءة الأجهزة التي تم شراؤها وأنيطت بها مهمة التحقيق الإلكتروني وقراءة بيانات الناخب واختياره بالاستمارة الانتخابية. وأكد عضو مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات، حازم رديني، لـ"العربي الجديد"، أن "المفوضية تتعامل مع كافة الطعون والشكاوى بشفافية، وما زالت فرقها ولجان التدقيق فيها تحقق"، مبيناً أن "اللجنة القضائية ما زالت داخل المفوضية تعمل على استقبال الطعون الانتخابية، والبت بها سيكون قريباً". وفي هذا السياق، كشف قيادي بارز في تحالف "النصر"، بزعامة العبادي، عن طلب استفسار من الأخير لمجلس القضاء الأعلى حول شرعية خطوات البرلمان وإمكانية أن يتدخل القضاء، باعتباره الحارس الأول للدستور لحسم الجدل. وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك خوفاً حقيقياً من إطالة أمد الأزمة الحالية، ودخول البلاد في فراغ دستوري، خصوصاً من ناحية الملف الأمني، إذ تمتلك 22 كتلة وقائمة سياسية أجنحة مسلحة تابعة لها، من الممكن أن يزج بها في أتون الصراع السياسي الحالي".

وخلال الساعات الثماني والأربعين التي أعقبت قرارات البرلمان، شهدت الساحة السياسية في العراق جموداً واضحاً في اللقاءات بين الكتل السياسية المختلفة، وقد يكون ذلك عائداً إلى انتظار ما ستسفر عنه قرارات البرلمان والمفوضية على حد سواء، إذ يتوقع أن تتغير النتائج، لكن بشكل محدود، في حال اعتمد إلغاء نتائج تصويت عراقيي الخارج والنازحين. وفي هذا الإطار، قال وزير عراقي بارز في بغداد، فشل بالفوز في الانتخابات داخل دائرته في إحدى المحافظات الغربية، لـ"العربي الجديد"، إنه قد تكون لزيارة الصدر إلى الكويت علاقة مباشرة بالمفاوضات الانتخابية الحالية، مضيفاً "من الممكن أن تلعب الكويت دور وسيط الثقة بين الصدر والأميركيين، ولا يستبعد لها هذا الدور، إذ إن توقيت الزيارة، واصطحاب الصدر معه عدداً من مستشاريه السياسيين، يشير إلى مثل هذا الطرح". وبيّن أن "الأميركيين يتفقون مع الإيرانيين على مسألة حكومة عراقية بنظام المحاصصة، على اعتبار أن أول حكومة مؤقتة، بزعامة إياد علاوي، عقب الاحتلال شكلت على أساس محاصصة طائفية، ودرجت العادة عرفاً لا دستوراً على ذلك، وهو ما لا ترفضه إيران أيضاً. لكن توجهات الصدريين والمدنيين ضمن تحالف سائرون الداعي إلى حكومة تكنوقراط تختلف عن الحكومات السابقة أمر تعتبره واشنطن غير عملي، وأنه ما يزال من المبكر التوصل لمثل هكذا حكومة، فيما إيران تجد أن هذا الأمر يمثل تهديداً لنفوذها في العراق"، مستبعداً، في الوقت ذاته، "تشكيل حكومة كهذه بالوقت الحالي في العراق".