تُعَدّ كراتشي واحدة من أشهر مدن باكستان، وهي معروفة بأنّها العاصمة الاقتصادية للبلاد. لكنّها، وعلى الرغم من الأهمية التي تحظى بها، فإنّها تعاني منذ زمن بعيد من مشكلات اجتماعية وإنسانية مختلفة. ومن أبرز تلك المشكلات، فقدان المياه الصالحة للشرب وعدم معالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية بصورة دائمة.
دعت القضيتان سكان كراتشي إلى الخروج إلى الشوارع مرّات عدّة، غير أنّ تلك الاحتجاجات والتظاهرات استُغلّت من قبل الأحزاب السياسية التي تهدف إلى نشر أجنداتها وانتقاد الحكومة والجهات المعنية، من دون أن تساهم في التوصّل إلى حلّ. إلى ذلك، فإنّ وعود الحكومات المتعاقبة ليست سوى مجرّد حبر على ورق.
في 29 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، بعدما تفاقمت الأزمتان وعلت الأصوات المختلفة حيالهما، ألّفت محكمة السند المحلية لجنة من قضاة وخبراء ومسؤولين في البلدية لوضع خطة شاملة بهدف التصدي لهما، وذلك برئاسة القاضي محمد إقبال كالهارو. وبعد نحو شهر، في 27 يناير/ كانون الثاني من عام 2017، قدّمت اللجنة تقريراً مفصّلاً حولهما، في حين اعتذر رئيس اللجنة عن مواصلة مهمّته بسبب التزاماته الرسمية. فعُيّن بالتالي القاضي أمير هاني مسلم رئيساً للجنة التي تحولت في وقت لاحق إلى الهيئة الرسمية لإعادة النظر في قضية المياه بمدينة كراتشي.
الإدارات الثلاث المسؤولة عن الأزمتَين هي الحكومة المحلية في كراتشي وبلدية المدينة وهيئة المياه، غير أنّ كل واحدة منها تلقي اللوم على الأخرى. أمّا السبب الرئيسي، فهو عدم التنسيق بين بعضها البعض بالإضافة إلى تدخّل الأحزاب السياسية في القضيتَين وكذلك الفساد الموجود في تلك الإدارات.
وقد تقدّمت الهيئة الرسمية لإعادة النظر في قضية المياه بمدينة كراتشي، مرّات عدّة، بشكاوى حول بطء البلدية في قضيّتَي المياه الصالحة للشرب ومياه الصرف الصحي، مع تقديم أعذار غير منطقية، لتشير إلى أنّ ذلك هو السبب الرئيسي في استفحال الأزمتَين. ويقول رئيس الهيئة أمير هاني مسلم إنّ البلدية هي المسؤولة الأولى عن القضيتَين، وكان من المفترض أن تقدّم حلولاً مناسبة لهما إذ إنّهما حاجتان أساسيتان لسكان المدينة. ويشير إلى أنّ البلدية تملك ميزانية كبيرة وخاصة بالمياه الصالحة للشرب وبمياه الصرف الصحي، لكنّها عاجزة عن صرفها بسبب فقدان الاستراتيجية المناسبة والفساد فيها.
لكنّ رئيس البلدية وسيم أختر يرفض ذلك ويرى أنّ تدخّل الإدارات المحلية الأخرى، لا سيّما الحكومة المحلية، وكذلك الأحزاب السياسية، هو ما تسبب في تفاقم الموضوع، خصوصاً أزمة مياه الصرف الصحي. ويقول إنّ الخطة التي رسمتها البلدية وبدأت العمل بها تعثّرت بسبب تدخل الحكومة المحلية، مؤكداً أنّه لا يمكن حلها إلا بعد التنسيق بين الإدارات المحلية أو ترك المجال للبلدية حتى تواصل عملها من دون تدخّل أيّ جهة أخرى.
وفي حين تتصارع الإدارات الرسمية المحلية، يدفع سكان المدينة الثمن باهظاً. ولا تحرّك تلك الإدارات ساكناً، مكتفية بالوعود المتكررة، خصوصاً في الحملات الانتخابية. وبعد ذلك، يصير الملف منسياً. ويقول الدكتور رضوان الله ماجد المتخصص في الأمراض الرئوية إنّ "الأزمتَين، سواء فقدان المياه الصالحة للشرب أو عدم معالجة مياه الصرف الصحي، تتسببان في انتشار الأمراض المعدية، خصوصاً في موسم الحرّ". يضيف أنّ "وعوداً حكومية كثيرة أُطلقت من دون جدوى. ويظهر الفشل واضحاً عند هطول الأمطار، إذ تتجمّع المياه في الشوارع وتتسرب أحياناً إلى بيوت الباكستانيين". ويطالب ماجد "المجتمع المدني بالعمل بنفسه بدلاً من انتظار الحكومة، لأنّ المواطنين الفقراء هم الضحية في حين أنّ الطبقة الغنية تعيش برفاهية في مناطق نظيفة ولا تعرف عن المحرومين شيئاً".
أمّا بخصوص المياه الصالحة للشرب، فقد أكد رئيس المحكمة المحلية في إقليم السند القاضي ميان ثاقب نثار توفّرها. حدث ذلك عندما تقدّم أحد المواطنين بشكوى أمام المحكمة، فردّ قائلاً إنّ المياه موجودة وبكثرة، إنّما في عبوات ومقابل مال، الأمر الذي يشير إلى ما يتداوله سكان كراتشي حول ضلوع إدارة المياه والبلدية في فقدان المياه عمداً، لأنّهما ضالعتان في الفساد وتتقاضيان الرشاوى من بائعي عبوات المياه. والفساد يحصد شبه إجماع في هذا السياق. ويشير افتخار أرشد، وهو من سكان منطقة كورنغي، إلى أنّ "المعضلة الأساسية هي الفساد وضلوع البلدية وهيئة المياه فيه. المياه الصالحة للشرب موجودة في المدينة وبكثرة، لكنّ المشكلة الأساسية تمكن في صرفها ليس أكثر. والبلدية وهيئة المياه لا تفعلان ذلك لأنّهما تنتفعان من شحّ المياه وتبيعانها للمواطنين من جهة وتتقاضيان الرشاوى من بائعي المياه من جهة أخرى". يُذكر أنّ الاحتجاجات التي قامت من أجل المطالبة بتأمين المياه الصاحة للشرب في كراتشي، شدّدت كلها على أنّ الجميع في حاجة إلى المياه.