أطلقت مديرية شرطة مدينة نيويورك، يوم الثلاثاء، تغريدة على موقع "تويتر"، تحثّ فيها مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي، على التغريد واستخدام هاشتاغ mynypd#، لإرسال صور لهم مع أفراد شرطة المدينة. خطوة جاءت من ضمن حملة تقوم بها الشرطة في الآونة الأخيرة لتحسين صورتها، ومحاولة استرجاع ثقة شريحة واسعة من مواطني نيويورك فيها. ووصل عدد الذين اشتركوا في التغريدات، خلال عشر ساعات من إطلاق الحملة، إلى أكثر من 70 ألف شخص. لكن الرياح جاءت بما لا تشهيه شرطة نيويورك؛ فبدلاً من أن تغرّد الغالبية بصور "نموذجية" لمواطنين سعيدين بالظهور مع كوادرها، تبادل مستخدمو "تويتر"، ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، صوراً توثّق عنفها المفرط و"غير المبرّر". صور يظهر فيها عناصر الشرطة وهم يعتدون على متظاهرات، وأخرى يبرح فيها أفراد من الشرطة المتظاهرين ضرباً.
وأعلنت شرطة نيويورك، الأسبوع الماضي، عن إلغاء الوحدة الخاصة المكلّفة "مراقبة" المسلمين. وهي وحدة أنشئت عام 2003، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001. وقامت هذه الوحدة، على مدار أكثر من عشر سنوات، بالتجسس على عرب نيويورك عموماً، ومسلميها خصوصاً. وظلّت تفاصيل وحجم التجسس غير معروفة، إلى أن كشفت عنها وكالة "اسوشيتد برس"، في مجموعة من التحقيقات الصحافية عام 2011. ومن أهم خلاصات تلك التحقيقات أن شرطة نيويورك قامت، بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بعملية تجسس واسعة، ولسنين طويلة، على المسلمين في المدينة. وشملت العملية كافة جوانب حياتهم، فجرت مراقبة المساجد، والجمعيات الخيرية، والمقاهي، والمطاعم، حتى محال البقالة والأماكن التي يعملون فيها. وسجل مخبرو الشرطة، المحادثات في الشوارع الواقعة في الأحياء ذات الغالبية المسلمة. وقد تردّد المخبرون على الجمعيات والمطاعم، ورصدوا آراء الناس في السياسة الأميركية الخارجية، في ما يتعلق بالعراق وفلسطين، على سبيل المثال.
وما أثار الكثير من السخط، هو قيام شرطة نيويورك بعرض تسجيل مثير للجدل، بعنوان: "الجهاد الثالث"، خلال تدريب كوادرها. ويظهر التسجيل المصوّر، وهو من إنتاج "صندوق كلاريون" (Clarion Fund)، وهو صندوق يميني أميركي ـ إسرائيلي، يُظهرالجالية المسلمة في الولايات المتحدة كداعمة ومؤيدة للإرهاب. ورأت جمعيات حقوقية ومسلمة أن الفيلم "معادٍ للمسلمين ومثير للكراهية" ضدهم. وأنكرت شرطة نيويورك، في البداية، صحة استخدامها للفيلم في تدريباتها على نطاق واسع. إلا أن بيانات رسمية، صدرت لاحقاً، كشفت أن ما يقرب من 1500 متدرّب في الشرطة، خلال دورات تأهيل لمكافحة "الإرهاب"، شاهدوا الفيلم بالفعل.
ولا يعني إعلان شرطة نيويورك عن إيقاف برنامج التجسس، عودة للثقة مع المواطنين، خصوصاً المسلمين منهم. ففي تعليق لها في إحدى وسائل الإعلام، قالت ليندا صرصور، وهي ناشطة أميركية ـ فلسطينية، ومديرة "الجمعية العربية ـ الأميركية في نيويورك"، إن "الخوف والشك بكل مَن هو حولك، بات أمراً طبيعياً بعد اكتشاف حجم التجسس ونوعيته، وكل ذلك فقط لانتمائك الديني أو القومي"، وخلصت إلى أن "استعادة الثقة أمر يحتاج إلى بعض الوقت".
ويبقى سؤال الناشطين الحقوقيين، هو: ما الذي سيحدث للكمّ الهائل من البيانات التي جمعتها الشرطة خلال أكثر من عشر سنوات؟
لم تقتصر مشاعر الغبن والظلم على الجالية العربية والمسلمة، بل طالت الأميركيين الأفارقة والأميركيين المتحدّرين من دول أميركا اللاتينية، وذلك بسبب عمليات التوقيف والتفتيش العشوائي التي تحصل على أساس عرقي عنصري، التي تقوم بها شرطة نيويورك في الأحياء التي تقطنها غالبية من هؤلاء، وذلك بحجة البحث عن المخدرات والسلاح غير المرخص، من دون أن يكون الموقوفون متهمين بأي جريمة.
وردّت شرطة نيويورك بأن هذا التفتيش يؤدي "إلى الحد من نسبة الجريمة، وهذا ما تظهره الإحصائيات". إلا أن منظمات حقوق الإنسان والأقليات، رأت أن هذه العمليات تحصل بدوافع عنصرية تستهدف شريحة من الناس دون غيرها، بسبب لون بشرتها وأوضاعها الاقتصادية. وأشارت إلى أن الحد من الجريمة في نيويورك، جاء لأسباب مختلفة، وليس بفضل عمليات التوقيف والتفتيش على أساس عرقي. والدليل على ذلك هو أن الشرطة، وبعد تعيين مدير جديد، نجحت في خفض هذا النوع من التوقيف، بنسبة 8 إلى 10 في المئة، "ولم يؤدِّ ذلك إلى ارتفاع نسبة الجريمة، ما يعني أن الاحصائيات حول انخفاض الجريمة تعود لأسباب أخرى وليس لذلك النوع من التوقيف"، بحسب كلام عدد من مسؤولي هذه الأقليات.
أما "المجموعة" الثالثة، التي شهدت إجراءات تعسفية واعتقالات، فكانت من نشطاء "احتلوا وول ستريت". وكانت شرارة احتجاجات الحملة قد انطلقت من نيويورك في العام 2011، لتمتدّ إلى مدن أخرى في الولايات المتحدة. وجاءت تلك التظاهرات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والدعم الذي تحظى به المؤسسات المالية، من ضمنها البورصة والمصارف، على الرغم من تبديد بعضها لمبالغ ضخمة. وتحوّلت الاحتجاجات، التي أطلق عليها في البداية اسم "احتجاجات التحرير"، أسوة بميدان التحرير في مصر، إلى اعتصامات انتشرت في شوارع عدة، وبعض الحدائق العامة ومحيط البورصة. وبعد فترة قصيرة من بدء الاحتجاجات، باشرت شرطة نيويورك بحملة من الاعتقالات طالت عدداً لا يستهان به من نشطاء الحملة.
ويبدو أن القائمين على حملة تحسين صورة عناصر شرطة نيويورك، لم يدركوا حجم الهوّة التي تفصلهم عن الشارع، وكم أن الصورة التي يحملها الكثير من المواطنين في نيويورك عن شرطة مدينتهم، سلبية. وقد ركّز عمدة نيويورك الجديد، بل دي بلازيو، في حملته الانتخابية، ثم بعد توليه منصبه في يناير/ كانون الثاني الماضي، على أهمية استعادة الثقة بين الشرطة والمواطنين، فعيّن مديراً جديداً لها في هذا السياق.