شرم الشيخ: جمهورية السياسة والمال والاعتقالات

13 مارس 2015
مبارك توجّه للإقامة في المدينة بعد إطاحته (فرانس برس)
+ الخط -

تحوّلت مدينة شرم الشيخ المصرية، إلى قلعة أمنية، قبيل انطلاق المؤتمر الاقتصادي العالمي للدول المانحة لمصر الذي يبدأ أعماله اليوم الجمعة فيها، إذ يواجه القادمون إلى شرم الشيخ، خصوصاً المصريين، إجراءات أمنية مشددة وتفتيشاً دقيقاً، في مقابل تسهيلات كبيرة للأجانب.

وتفاقمت الإجراءات الأمنية في المدينة، منذ تسعينيات القرن الماضي، بعدما اتخذها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، مقراً لإقامته، بعيداً عن ضوضاء الحياة السياسية والاجتماعية في القاهرة، وجعلها محور لقاءات زعماء وقادة عرب وأجانب، ما جعل الكثير من العاملين في مشروعاتها من البسطاء يطلقون عليها "جمهورية شرم الشيخ".

وتُعدّ مدينة شرم الشيخ من أجمل أربع مدن في العالم، وبُنيت المدينة في عام 1968، وتكمن أهميتها في موقعها عند رأس البحر الأحمر، فمن عندها يتفرع إلى خليجي السويس والعقبة، وتوجد بها وحولها أهم المحميات الطبيعية في رأس محمد ونبق.

يتجاوز عدد سكان المدينة أكثر من عشرة آلاف نسمة، ومن المقدر أن يصل إلى نحو 132 ألف نسمة عام 2017، مع تزايد الأنشطة السياحية بصفة خاصة، وتبلغ مساحة شرم الشيخ نحو 424 كيلومتراً مربعاً.

ملعب للصراعات السياسية

في ضوء سياسات تصفية الحسابات والابتزاز تجاه كبار المستثمرين، التي سادت في عهد مبارك، تفاقمت الأوضاع الأمنية وتحوّلت حياة المقيمين فيها إلى معاناة يومية، وواجه الآلاف من المصريين اعتقالات غير مبررة، في سجون الطور بمزاعم وهمية.

كان أبرز تلك الحوادث ما واجهته المدينة من سلسلة تفجيرات أُلصقت بتنظيم "القاعدة" في عام 2006، وكشفت وثائق أمن الدولة خلال ثورة 25 يناير 2011، أن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي كان وراءها، بعدما رفض بعض مالكي الفنادق والمشروعات السياحية في المدينة دفع إتاوات مالية.

وقعت التفجيرات في 23 يوليو/تموز 2005، وقُتل فيها 88 شخصاً، معظمهم مصريون، وجرح ما يزيد عن 200، وألغى الآلاف من السياح حجوزاتهم، كما ألغيت العديد من الرحلات وقتها.

وقامت أجهزة الأمن المصرية باعتقال عدد من المصريين، بينهم بعض السكان المحليين من بدو سيناء، إذ قيل إن البعض منهم قاموا بتقديم تسهيلات لمنفذي التفجيرات، كما قام محافظ جنوب سيناء ببناء سياج أسلاك عازلة خارج حدود المدينة لمنع التسلل إليها، لكن هذه الإجراءات قوبلت بالرفض وتمت إزالة السور فيما بعد.

كما تُعدّ "جمهورية شرم الشيخ" الملاذ الآمن لغسيل الأموال، خصوصاً في عهد مبارك، وتصدر هذا المشهد رجال أعمال مصريون، منهم حسين سالم ومحمد أبو العينين وفريد خميس، وغيرهم من المقربين لنجلي الرئيس المخلوع، جمال وعلاء مبارك، الذين حصلوا على ملايين الأمتار، بسعر يقل عن دولار واحد، لم يدفعوه، وحصلوا على مليارات الجنيهات قروضاً من البنوك، لإقامة منتجعات سياحية، لم تستفد خزانة الدولة المصرية "المجاورة" منها سوى القليل.

اقرأ أيضاً: السيسي يهرب من الانتخابات المصرية: سيناريوهات "تفخيخ" البرلمان

"مدينة السلام"

وبعيداً عما يعايشه المصريون من غربة في وطنهم، في مدينة شرم الشيخ، والتي تُعدّ "مدينة السلام"، التي خصّتها منظمة اليونيسكو ضمن أفضل خمس مدن للسلام على مستوى العالم من بين 400 مدينة أخرى، نظراً لما شهدته من مؤتمرات حول السلام.

وتحتل المدينة مكانة كبيرة، ولا سيما منذ تسعينيات القرن المنصرم، وتحديداً مع اتخاذها من مبارك كأحد أهم المواقع أهمية، وتضم المدينة نحو 150 فندقاً ومنتجعاً، ومطاعم شرقية وغربية، ومقاهي ومدناً ترفيهية.

وتوارت الأنظار عن مدينة السلام منذ خلع مبارك من الحكم عقب ثورة يناير، بيد أنها عادت إلى دائرة الضوء من جديد مع استعدادها لاستضافة المؤتمر الاقتصادي العالمي للدول المانحة لمصر.

وتتميز المدينة، بعيداً عن الدور السياسي الذي لعبته في فترة مبارك، بالطبيعة الساحرة، فضلاً عن كونها منتجعاً سياحياً مهماً بالنسبة لمصر، فهي مقصد لأغلب السياح الذين يزورون مصر.

وفي أغلب الأوقات كانت شرم الشيخ تُعتبر العاصمة الفعلية لمصر، إذ كان مبارك يتوجّه إليها للإقامة فيها وإدارة شؤون البلاد من هناك.

وليس من العجيب في ضوء الاهتمام بالمدينة جعلها "رئاسية خالصة"، إذ كانت حكراً على الوفود الدولية والرئاسية والأجانب، ولا يصرح للمصريين الدخول إليها إلا بتصريح مسبق، ومن يثبت تسلله إلى المدينة من دون التصريح من جهات أمنية عليا يصبح في أزمة كبيرة.

وكانت مركزًا للقاء حسني مبارك مع القيادة السياسية الإسرائيلية، وقد استضاف فيها العديد من الشخصيات الغربية أيضاً.

واستضافت المدينة قمة السلام في عام 1996، وحضرها قادة نحو 70 دولة ومنظمة دولية، بينهم رؤساء مصر والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والسلطة الفلسطينية، ورؤساء وزراء ألمانيا وكندا واليابان وإسبانيا وإيطاليا وإسرائيل، وملوك المغرب والأردن والسعودية، وأمراء البحرين والكويت، والأمين العام للأمم المتحدة حينها.

كما استضافت قمة المجموعة 15 والتي عُقدت لأول مرة في مصر عام 1998 في شرم الشيخ، وهذه القمة تُعقد بالتناوب في إحدى دول المجموعة، فضلاً عن عقد اتفاقية "واي ريفر" بين الفلسطينيين الذين مثلهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبين إسرائيل الممثلة في رئيس وزرائها حينها، إيهود باراك، في سبتمبر/أيلول 1999.

وعقب عزل مبارك من الحكم، توجّه للإقامة في شرم الشيخ، فموقعها كان مناسباً لإقامته، خوفاً من استهدافه من الشعب المصري الذي ثار على نظامه.

وعلى المستوى الاقتصادي، لم يكن المؤتمر الذي تستضيفه، اليوم الجمعة، هو أول مؤتمر اقتصادي، إذ سبق ذلك استضافة الملتقى الاستراتيجي لمنظمة التجارة العالمية في سبتمبر/أيلول من عام 2000، ومؤتمر الدول المانحة الذي عُقد في الخامس من فبراير/شباط 2002، والقمة العربية العادية الخامسة عشرة في مارس/آذار 2003.