كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، أخيراً، أن "التنسيق الأمني والاستخباراتي بين مصر وألمانيا بما في ذلك قبول مصر ترحيل عدد من المصريين غير المقبولين كلاجئين سياسيين أو دينيين في ألمانيا، وإعادتهم إلى القاهرة، يأتي في إطار سياسة ألمانية جديدة تشترط إيجاد مثل هذا التنسيق وقبول ترحيل اللاجئين نظير استمرار دعم برلين للقاهرة اقتصادياً ولوجسيتياً وسياسياً في العديد من الملفات".
في هذا السياق، ذكرت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "ألمانيا بدأت بالفعل تغيير سياساتها المتبعة منذ زمن طويل على صعيد إرسال المساعدات الاقتصادية للدول الحليفة لها، ومنها مصر، فشهدت الاجتماعات التنسيقية بين وزراء البلدين خلال زيارة المستشارة أنجيلا ميركل للقاهرة في مارس/ آذار 2017 تلويحاً بخفض المساعدات الاقتصادية، وتصعيب شروط اتفاقيات القروض التي تتركز معظمها على تسهيل إقامة مشروعات مرفقية وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، إذا لم تتعاون القاهرة مع برلين على صعيد تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية، وكذلك قبول مصر باستمرار استعادة اللاجئين غير المقبولين. الأمر الذي رحب به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي".
وأضافت المصادر أن "ألمانيا تشددت في شروطها لاستمرار المساعدات التي تقدمها لمصر بسبب اعتراض دوائر واسعة داخل الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم الذي تتزعمه ميركل، واعتراض عدد من الوزراء اليساريين في حكومتها على منح نظام السيسي مساعدات وتحفيز الشركات الكبرى على التعاقد مع الحكومة المصرية لتنفيذ مشاريع كبرى، على الرغم من السجل السلبي للنظام في ملف حقوق الإنسان، والصعوبات التي وضعها قبل وبعد إصدار قانون الجمعيات الأهلية أمام تفعيل دور المنظمات الألمانية الحقوقية".
وأشارت المصادر إلى أن "التنسيق بين الجانبين على هذا النحو، واستجابة مصر لهذه الشروط، يضمن حتى الآن استمرار تلقي أجهزة الأمن المصرية تدريبات عالية المستوى، فضلاً عن ترحيب ألمانيا بتدريب دفعات جديدة من الشرطة المصرية في مجالات مختلفة، منها أمن المطارات ومكافحة الشغب والمباحث الإلكترونية".
وذكرت المصادر أن "المشكلة التي ما زالت قيد البحث هي مستقبل العمل الحقوقي الألماني، على ضوء قانون العمل الأهلي الجديد، الذي يتسبب في سياق آخر في صدور توصيات من الكونغرس الأميركي لاستمرار تعليق أجزاء من المساعدات الأميركية في مصر، بعدما أصدره السيسي في مايو/ أيار 2017".
وأوضحت المصادر أن "مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي السفيرة فايزة أبو النجا، وهي المسؤولة عن ملف التعامل مع المنظمات الحقوقية الأجنبية، أبلغت أخيراً السفير الألماني يوليوس جيورج لوي، في القاهرة بأن "القانون الجديد محل الخلاف بين السيسي والدول الغربية، لن تصدر لائحته التنفيذية في الوقت الحالي، ما يعني أنه موقوف النفاذ لحين حلحلة المشاكل المتعلقة بعمل المنظمات الأجنبية"، أخذاً في الاعتبار أن "ألمانيا ضمنت لنفسها معاملة خاصة في هذا الملف بعد اتفاق شفهي بين السيسي وميركل في 2015 على رفع القيود الأمنية أمام أنشطة الهيئات الألمانية الحقوقية التابعة للحكومة، تحديداً الناشطة في مجال التعليم والتعليم الفني وتحسين أوضاع قرى الصعيد الأكثر فقراً".
وكان مصدر دبلوماسي أوروبي بالقاهرة قد قال لـ"العربي الجديد"، في مارس/ آذار الماضي، إن "ألمانيا في طور تغيير سياستها لاستضافة اللاجئين والأجانب بشكل عام. وقد اتضح ذلك بشكل جلي في زيادة إقبال المصريين في العامين الأخيرين على الهجرة أو اللجوء لدول أخرى أوروبية أو كندا وأستراليا، وانخفاض أعداد طالبي الانتقال لألمانيا، وذلك كردّ فعل طبيعي على زيادة القيود الإجرائية وتشديد الشروط الألمانية لقبولهم منذ 2015".
وأضاف المصدر أن "ألمانيا وجدت نفسها مضطرة لهذه السياسة لتظل وفية لتعهداتها الاجتماعية إزاء اللاجئين السوريين بالدرجة الأولى، يليهم الليبيون، ولا سيما أن هناك تحذيرات داخل المجتمع الألماني على المستويين السياسي والأمني، من تكريس صورة ألمانيا كدولة مفتوحة للاجئين وطالبي العمل من جميع الجنسيات، بعد عقود من اتباع سياسات متساهلة، وكذلك لمنع نمو وتضخم المجتمعات الإسلامية بمختلف الولايات".
ولاحظ طلاب وموظفون مصريون يعيشون في ألمانيا خلال الأشهر العشرة الأخيرة عمليات ترحيل فردية لعدد من الشباب الذين تسللوا لألمانيا من دول أوروبية أخرى، كما لاحظوا أن إجراءات تجديد الإقامة باتت أكثر تعقيداً، إذ باتت الشرطة تطلب مستندات غير معتادة من أماكن العمل أو الدراسة، فضلاً عن إجراء تحريات عنهم في أماكن وجودهم بالتنسيق مع السفارة المصرية ببرلين.