شظايا قرارات بن سلمان: لا علاج لتصدّع آل سعود

09 نوفمبر 2017
تأثيرات الصدع في العائلة ستظهر (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
قريباً أو بعيداً، قد تطفئ الأيام وتسارع الأحداث في السعودية، والمنطقة، والعالم، وهج الاهتمام الإعلامي بتوابع ونتائج قرارات ليل السبت الماضي، لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بشأن إطاحة واعتقال أمراء ووزراء ومسؤولين ورجال أعمال، ومصادرة أموالهم. لكن المؤكد أن التصدّع الذي أصاب عائلة آل سعود الحاكمة، لن يعالجه أي قرار، أو خطوة يمكن أن تقوم بها العائلة، إذا قدّر لها أن تجتمع من جديد، أو أن تُجمع على أي شيء، بعد إجراءات بن سلمان الأخيرة. فهي المرة الأولى في تاريخ المملكة التي يعلن فيها "ابن العم"، أن أبناء عمومته، الذين منهم أبناء ملوك سابقين، هم فاسدون ومرتشون، وأن أماكنهم ليست قصور الحكم، وإنما أرضية فندق تحوّل إلى مكان احتجاز مؤقت، ربما قبل ترحيلهم إلى سجن الحائر، في جنوب العاصمة الرياض، وسجون أخرى إذا اقتضت الحاجة وتوسعت دائرة الملاحقات والاعتقالات، وهي حتى اللحظة تبدو احتمالاً قوياً، وقد يكون عاجلاً.

مصدر الخطورة هنا، أن العائلة هي "أركان دولة"، والدولة هنا مهمة ومحورية في العالم العربي، وفي الإقليم. وعلى الرغم من أن هذه القرارات لا تخضع لعقل، ولا لحسابات دقيقة صارمة، فإن القراءة المتأنية في الأجواء والمحيط العام لها، قد تكشف أن هناك بعض المعطيات التي ربما تكون حفزت بن سلمان وهيأت له القيام بخطواته. فكيف ينطبق هذا القانون على خطوة ولي العهد السعودي، إذا ما أخذ المراقب في الاعتبار أنه يكاد يكون هو الحاكم الفعلي للبلاد، وعلى ذلك تقوم شواهد كثيرة؟

ابتداءً، فقد خرج الأعمام، أو أُخرجوا، من منظومة الحكم ومراكز السيطرة والتأثير في صناعة القرار السعودي على كافة المستويات؛ فعلى قيد الحياة لم يبق من أبناء الملك عبدالعزيز سوى سبعة أمراء، وملك، والأمراء هم: بندر (مواليد عام 1923)، الذي لم يشغل أي منصب رسمي في الدولة، ويعاني ظروفاً صحية لا تسمح له بأي نشاط، وطلال (1931)، المبعد بقرار عائلي منذ عقود عن أي منصب أو عمل عام في مجال السياسة في المملكة، ومتعب (1931)، الذي اختار بنفسه الابتعاد عن العمل العام، والملك الحالي سلمان (1935)، وممدوح (1939)، الذي لم ينخرط فعلياً في المناصب الحكومية، باستثناء توليه إمارة منطقة تبوك لفترة قصيرة، ويشتهر باسم "زاهد آل سعود"، ومشهور (1942)، وأحمد (1943)، الوزير الأسبق للداخلية الذي أقيل من منصبه في عهد الملك الراحل، عبدالله، بعد ستة أشهر فقط قضاها في المنصب، ومقرن (1945)، ولي العهد الأسبق، الذي جاء إلى منصب ولي العهد فجأة، وأطيح به أيضاً في أول "انقلاب" فعلي، مهد به الملك الحالي طريق ابنه نحو ولاية العهد.
وباستثناء أحمد، فإنه لم يعرف عن بقية الأبناء الأحياء للملك عبدالعزيز أنهم من الطامحين أو الذين يمثلون مراكز قوى حقيقية في الدولة وعائلة آل سعود. ما سبق قد يمثل إذاً نقطة إغراء لمحمد بن سلمان، شجّعته على إجراءاته الأخيرة.


فماذا عن عوامل التحفيز الأخرى؟ ربما يبدو أيضاً، أن أكثر المرشحين والمقبولين في دوائر شعبية عدة، من أبناء العمومة، زاهدون في المناصب الأولى، أو حتى الثانية في الحكم؛ فأبناء الملك فيصل، لا يبدو أن أحداً منهم دخل في منافسة من هذا النوع، فقد رحل الأمير سعود الفيصل، أبرز وزراء الخارجية السعوديين، وأقيل تركي من رئاسة الاستخبارات، ومن العمل سفيراً في أكثر من عاصمة. كما اكتفى الأمير خالد بالعمل في الإدارة المحلية، أميراً لمنطقة عسير، ثم لمكة، وبقية الأبناء انشغلوا بالعمل التجاري. وأبناء الأمير سلطان، ومنذ إقالة خالد من منصبه وزيراً للدفاع في عهد الملك عبدالله، اختار هو، أو اختير له، الابتعاد عن دائرة المناصب الرسمية في الدولة، وشقيقه فهد كذلك. ولأسباب تاريخية، تكاد تكون معروفة لكثيرين، فإن أبناء الملك الراحل سعود، هناك حالة من التوافق العائلي الممتدة على بقائهم خارج مناصب ما يمكن تسميته الدرجة السياسية الأولى بالدولة، والعائلة. أما أبناء الملك خالد، فلم يُبدِ أحد منهم أية إشارة أو طموح للعمل السياسي.

لم يجد محمد بن سلمان من أبناء أعمامه الملوك، إذاً، إلا أبناء الملكين الراحلين فهد، وعبدالله؛ والوجهان البارزان منهم هما وزير الحرس الوطني (المقال)، متعب بن عبدالله، والوزير السابق في الديوان الملكي، عبدالعزيز بن فهد؛ فهل هناك إغراء وتحفيز أكثر من الإطاحة بهما، حتى يخلو له وجه أبيه، وسدة الحكم معاً؟ تلك كانت معطيات الإغراء والتحفيز على خطوة السبت الماضي، فماذا عن المخاطر؟

على المدى البعيد، فإن الصدع الذي أحدثته قرارات ليل السبت 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، التي استصدرها، وأصدرها، محمد بن سلمان، في العائلة، ومن ثم الدولة، لا يمكن علاجه؛ ليس فقط لأنه سجل سابقة تاريخية، رسمية، بأن في آل سعود فاسدين، ومفسدين، ومرتشين، وعاملين في غسل الأموال، ولكن أيضاً، وربما هو الأكثر خطراً على نجاح إجراءاته، واكتمالها، لأن من أطيح بهم ولُطخت سمعتهم لهم امتدادات عائلية تقترب من أسرة الملك سلمان نفسه، وآلاف من العاملين والمقربين، والمنتفعين، من هؤلاء الذين أطاح بهم؛ فالحرس الوطني الذي ورث الأمير متعب بن عبدالله رئاسته عن أبيه، ينتمي تاريخياً لهما، وشعبيتهما فيه حقيقية وهائلة، نظير ما كانا يقدمانه من منح وامتيازات للعاملين به، من العسكريين وغيرهم.

وإذا كان عبد العزيز بن فهد أقل حظاً في عدد الموالين، والمنتفعين منه، فإنه حصل على شبكة علاقات جيدة، وعلى كارهين أيضاً من كبار الأمراء، والمسؤولين، خلال عمله في الديوان الملكي، بالقرب من والده، وعمه، الراحلين. وهو حقق قدراً من الشعبية والقبول، بتكراره مهاجمة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وانتقاده لقبول حكام المملكة بتبعيتهم للسياسة الإماراتية في أكثر من ملف، على حد كلامه. هل يعني هذا أن هناك مخاطر من حدوث ما يمكن تسميته بـ"انقلاب عائلي مضاد"؟ تبدو الإجابة الحاسمة على مثل هذا السؤال، ضرباً من التحدي، لكن علوم السياسة، ومعطياتها، لا تستبعده. لكن المؤكد أن الصدع العائلي في آل سعود حدث، وتأثيراته ستظهر حتماً، إن آجلاً، أو عاجلاً.