تعدّ صناعة الشمع إحدى أقدم المهن في مصر. لكنّها اليوم، لم تعد كما في السابق، حال مهن كثيرة في البلاد. وفي الفترة الأخيرة، باتت تواجه مشاكل عدة أدّت إلى تدهورها أكثر فأكثر. في الوقت الحالي، يحاول العاملون في هذه المهنة إعادة إحيائها، من خلال إنتاج أشكال أكثر جاذبية، بعد تراجع الطلب على المنتجات المصنوعة من الشمع، وإغلاق بعض المحال المتخصّصة في صناعتها، باستثناء ورش قليلة ما زال أصحابها يصرّون على الحفاظ عليها، عدا عن كونها مصدر رزقهم الوحيد.
في منطقة المنشية وسط محافظة الإسكندريّة، وتحديداً في إحدى الورش المليئة بعدد من القوالب والمواد المستخدمة في تصنيع منتجات الشمع، يصنع مدحت مصطفى (56 عاماً) الشموع ويزيّنها وينحتها، بحسب المناسبة. يحكي صاحب الورشة الأسطى مدحت، كما يناديه العاملون معه، لـ "العربي الجديد"، عن بدايته في هذه المهنة التي تعلّمها قبل أكثر من 33 عاماً من والده. خلال فترة عمله مع والده، اكتسب خبرة كبيرة وتعرّف على أسرار وأصول المهنة. يوضح أنّه يعتمد في المنتجات التي يصنعها على خيط القطن والشمع الخام بشكل أساسي، بالإضافة إلى أنواع أخرى مثل شمع النحل أو شمع الصويا وغيرها، والتي لا تُستخدم كثيراً بسبب ارتفاع أسعارها.
يُخفي قلقه بابتسامة. هذه عادته. اليوم، يخشى الأسطى مدحت اندثار هذه الصناعة، ليس فقط بسبب تراجع استخدامها أو الاعتماد عليها إلّا في بعض المناسبات كالأفراح أو عند انقطاع الكهرباء، بل أيضاً بسبب غلاء المواد الخام التي تستخدم في إنتاج الشمع، عدا عن منافسة المنتجات الصينية الرخيصة نسبياً.
أمّا الحاج محمود شكري، وهو صاحب مصنع لإنتاج الشمع في غرب الإسكندرية، فيحكي عن أهميّة الشموع سابقاً، والتي اعتاد الناس على استخدامها للإنارة، مشيراً إلى أنها كانت تصنّع يدوياً. لكن في الوقت الحالي، ومع التقدم التكنولوجي، تراجع اعتماد الأهالي على الشموع بصورة لافتة. قلة فقط يستخدمونها لإنارة المنازل والمحال، خصوصاً في المناطق التي تشهد انقطاعاً مستمراً للتيار الكهربائي. ويستفيد العاملون في هذه المهنة من هذا الواقع، إذ غالباً ما يشتري سكان هذه المناطق الشموع، فلا حلول أخرى أمامهم.
بحسرة، يقول الحاج شكري إنّ مهنة صناعة الشمع التي يعشقها، ولا يجيد سواها، كانت قد شهدت ازدهاراً، لافتاً إلى أنّها كانت تدرّ عليه وعلى غيره من العاملين معه ربحاً وفيراً. لكنّ الوضع تغيّر اليوم، وبات يخشى اندثارها. ورغم إدراكه لهذا الواقع، إلّا أنّه يصر على مزاولتها وتعليمها لإبنه محمد (13 عاماً)، الذي ما زال تلميذاً في المرحلة الإعدادية. محمد يساعد والده خلال الإجازات، وقد أحبّ المهنة بدوره.
يوضح شكري أنّه رغم تراجع الاهتمام بالشموع، إلّا أنّ بعض الحرفيين، خصوصاً الشباب منهم، باتوا يبدعون في أشكالها سواء يدوياً أو من خلال استخدام الآلات، لصنع منتجات بأشكال وألوان مختلفة تجذب الناس، وتلائم بعض المناسبات الدينية والاجتماعية. يلفت إلى أنه في ظلّ تطور العصر، باتت هناك أشكال جديدة تميز المنتجات المصنوعة من الشمع، والتي تختلف تصاميمها بحسب الاستخدام والذوق، عدا عن إضافة ألوان وزيوت تعطّر المكان لدى إشعالها. كذلك، يعمد البعض إلى الحفر على الشموع، لافتاً إلى أن بعض المنظمات والمدارس تنظّم دورات تدريبية للأطفال لتعلّم هذه الحرفة، خصوصاً أنّها حرفة جميلة باتت مهدّدة بالاندثار.
ويتطرّق شكري إلى بعض المشاكل التي تواجه أصحاب المهنة، منها تراجع اهتمام المواطنين بشراء الشموع، واعتبارها من الكماليات، بالإضافة إلى عدم وجود تشجيع ودعم وحماية لهذه المهنة، وذلك ليس من العاملين بها فقط، لكن أيضاً من قبل الأشخاص المعنيين بالتراث.
مهنة عتيقة
يقول صاحب مصنع لإنتاج الشمع في الإسكندرية، الحاج محمود شكري، إن مهنة صناعة الشمع عتيقة، ولا يمكن تغييبها أو الاستغناء عنها، وتعدّ مصدراً للإنارة في حال انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل. في الوقت الحالي، يحاول صنع منتجات جديدة من الشمع تستخدم بغرض الزينة، إذ بات الناس أكثر إقبالاً على شراء تلك المزينة.