يحاول الموريتانيّون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية ومستوياتهم الفكرية، ترتيب "شهر العسل" مهما كلفهم الأمر، حتى لو تخلوا عن حفل الزفاف أو تجهيز بيت الزوجية أو اختصروا هذا الشهر بأيام قليلة لا تتعدى الأسبوع الواحد. وهذا الشهر ضرورة بالنسبة إلى كثيرين، للترفيه وللاستمتاع بأيام حلوة مع الشريك الجديد ولتوطيد المعرفة أكثر بين الشريكين.
تنظر المقبلات على الزواج إلى شهر العسل كفرصة للاستمتاع ببضعة أيام بعد الزواج ولجمع ذكريات حلوة والتعرف إلى الشريك من دون تدخل الآخرين. بالنسبة إلى بعضهن، شهر العسل يحفظ "بريستيج" (جاه) العائلة ومن دونه سيلاحق "القيل والقال" العرسَين مهما بذلا من مال وجهد لإكرام الضيوف في حفل زفافهما.
ويرتفع الإقبال على الحجوزات الخاصة بشهر العسل في هذه الفترة من كل عام التي تتزامن مع عطلة رأس السنة الميلادية التي يستغلها المهاجرون والموظفون لإقامة أفراحهم بحضور أفراد العائلة والأهل والأصدقاء. ويتنافس الشباب في ابتكار طرق وأساليب جديدة للاستمتاع بشهر العسل وتسجيل ما يحدث من مواقف طريفة وجميلة بين زوجين يختبران الحياة الثنائية لأول مرة.
للتخلص من الضغوط
يرى موريتانيون كثر أن شهر العسل فترة ضرورية لكسر الحواجز بين الزوجين قبل الاختلاط بالعائلة، وخصوصاً أن فترة الخطبة قصيرة جداً في موريتانيا، إذ لا تقبل العائلات بإطالتها حرصاً على السمعة ورغبة في إضفاء طابع رسمي على العلاقة. وهو ما يمنع الشريكين من التعارف على بعض أكثر قبل الارتباط.
محمد سعيد ولد بيادي (35 عاماً) يقول إن شهر العسل "فترة لا غنى عنها، نظراً للذكريات الجميلة التي تتشكل خلالها ولفائدتها على الشريكين اللذين يختليان بنفسيهما ويهربان من أجواء الفرح العائلي وكثرة الزائرين والمهنئين ويتخلصان من ضغط العادات التي تصاحب العرس الموريتاني". ويشير إلى أن نظرة الجيل الجديد إلى شهر العسل لم تختلف كثيراً عن الأجيال السابقة، والتي كانت تفضل أيضاً الخلوة لبعض الوقت بعد الزواج. لكن ثمّة اختلاف ينحصر في طريقة تمضية شهر العسل. اليوم، يفضّلون السفر إلى الخارج بينما كانت مشاريع السفر في السابق تقتصر على المدن القريبة والقرى في العمق الموريتاني.
اشتراط النساء
لكن فكرة شهر العسل تلقى معارضة أيضاً، ويرى رافضوها أن النساء هن اللواتي يتمسكن بها. ويرى سالم ولد محمد إبراهيم (41 عاماً) إن "النساء مهووسات بشهر العسل، حتى إنهن في بعض الأحيان يتنازلن عن المهر ويتغاضين عن بعض الأمور في حفل الزفاف ويقبلن عدم إتمام بيت الزوجية. هن يعتبرن هذا الشعر هدية الزواج الرئيسية". يضيف أن تكاليف شهر العسل التي تضاف إلى مصاريف الزفاف تثقل كاهل المقبل على الزواج من دون داع، لافتاً إلى أن "غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف العرس والعنوسة المنتشرة حالياً، أسباب تدفعنا إلى البحث عن حلول لتسهيل الزواج وعدم ربطه بأمور غير مهمة ومكلفة".
خلوة الزوجين
محمد ولد السنهوري (29 عاماً) تزوّج حديثاً وسافر إلى إسبانيا لقضاء شهر العسل. يقول إنه قام بذلك "للتعرف على شريكة حياتي والتفاهم والتخطيط للمستقبل ولإرساء قواعد الحياة بيننا بعيداً عن تدخل الأهل والأصدقاء". يضيف أنه نجح إلى الساعة "في إبعاد شبح الاختلاف والخصام بيني وبين زوجتي، بفضل تلك الفترة". ويؤكد على أن شهر العسل ما زال يحتفظ بأهميته لدى المتزوجين حديثاً كما في السابق، وإن اقتصرت الفترة إلى أسبوع أو عشرة أيام بسبب ضغوط العمل أو ضعف الميزانية. ويوضح أن "الموريتانيين عادة ما يقضون ذلك في الدول المجاورة مثل المغرب والسنغال وإسبانيا وفرنسا، ومنهم من يسافر إلى ماليزيا وإندونيسيا أو حتى أميركا. ومن لا يملك الإمكانات المادية يكتفي بإحدى المدن الداخلية".
ضرورة عدم المبالغة
في هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي أحمد ولد التجاني إن شهر العسل يحظى بأهمية كبيرة في موريتانيا، إذ يضحي العروسان بكل شيء من أجل الحصول على فرصة للاستمتاع ببضعة أيام بعد الزواج. ويشير إلى أن أهمية شهر العسل عند الموريتانيين تصل إلى حد إلغاء حفل الزفاف أو الاستقرار مؤقتاً عند الأهل كحلّ لترشيد التكاليف وإيجاد ميزانية كافية لشهر العسل.
ويرى ولد التجاني أن هذا الحرص الشديد على قضاء شهر العسل يرجع إلى رغبة الأزواج في التعرف على بعضهم بعضاً من دون تدخل الآخرين، وهو ما لم يكن متاحاً لهم قبل الارتباط، بسبب العادات والتقاليد التي تحرّم اللقاء المباشر بين المخطوبين. يضيف أن "هذه الفترة وعلى الرغم من قصرها، إلا أنها الأساس الذي تُنبى عليه العلاقة الزوجية. الأيام الأولى وما تتخللها من مواقف تظل عالقة في الذاكرة وتزيد من ترابط الزوجين وصبرهما في فترات المشاكل والأزمات".
ويجد أن تخصيص شهر العسل وتجديده من فترة لأخرى مهم جداً، لاستقرار الحياة الزوجية وبعث روح التجديد والإثارة فيها. وينصح الأزواج "بعدم المبالغة في التخطيط لشهر العسل وتضييع الأموال على فترة قصيرة في مقابل التخلي أو تأجيل أمور مهمة في الحياة الزوجية". ويتابع: "يكفي تخصيص ميزانية معقولة والسفر إلى منطقة قريبة، فالاستمتاع بالصحبة أهم من رؤية المناظر والسفر إلى الخارج، كما أن تحمّل الديون مقابل الاستمتاع بشهر العسل يمكن أن يؤدي إلى تدمير العلاقة الزوجية الوليدة وإنهاء الزواج في سنواته الأولى".
اقرأ أيضاً: 31 % نسبة الطلاق في موريتانيا والأطفال ضحاياه