ما إن جفّ حبر توصيات المنتدى الاقتصادي التركي الخليجي، الذي استضافته إسطنبول الأسبوع الماضي، حتى حضر وفد تجاري سعودي من المدينة المنورة إلى تركيا، مصحوباً بسبعين رجل أعمال، ليبحث فرص الاستثمار وتوقيع أكثر من مذكرة تفاهم، مع غرفة تجارة إسطنبول ومن ثم أنقرة وجيزي. قبل أن يبرم اتفاقات وصفقات مع "موصياد" جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين.
تحافظ السعودية على مكانتها الاقتصادية في تركيا، بعد أن تضاعفت استثماراتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، من 10 شركات إلى نحو ألف شركة لتبلغ المرتبة 12 عالمياً ضمن المستثمرين في تركيا، بحجم أموال تعدى 6 مليارات دولار للقطاع الحكومي وأكثر من 25 ملياراً للقطاع الخاص.
بيد أن أسئلة تقفز إلى الذهن، لمجرد قراءة التعاون والتبادل التجاري المضطرد بين تركيا والسعودية، كمثال عن زيادة العلاقات التجارية، بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. ربما أول تلك الأسئلة يتعلق بأثر السياسة على الاقتصاد، ومن ثم من المستفيد من اتساع العلاقات ليأتي السؤال المهم لاحقاً، وماذا بعد؟
بمعنى آخر، من الطبيعي أن تبحث تركيا عن شركاء جدد وتفكر بفتح أسواق، بواقع تأرجح علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع روسيا، وتوتر علاقاتها مع شريكها الأول "الاتحاد الأوروبي" لتواكب التحول وربما تعد للأسوأ.
إذ إن 198 شركة تركية أقامت العام الفائت شراكات وصفقات، كانت حصة الشرق الأوسط منها ما نسبته 58%، في حين لم تتعدّ حصة الأوروبيين 20%.
رغم أن حصة الاستثمارات الخليجية، وبعد التطور والتقارب، لم تزد عن 4% من حجم الاستثمارات العالمية في تركيا كما لم تزد الاستثمارات العربية فيها، عن 12% من أصل استثمارات بلغت 140 مليار دولار.
بل يصل الحال بتركيا، لغض الطرف أحياناً، عن الخلافات السياسية وتغليب الاقتصاد ومصالح الشعوب، كما فعلت مع الإمارات وحتى مع عبد الفتاح السيسي.
هل من الطبيعي، بالنسبة لدول الخليج، أن توطد علاقاتها مع الشركات التركية، لتحل مكان الشركات الأميركية والأوروبية، التي تحصد معظم الاستثمارات ذات العائد ودورة رأس المال السريع، وفي مقدمتها الاستثمارات الطاقوية والعقارية الكبرى، بعد أن أكدت الشركات التركية ريادة على مستوى العالم؟
أو أن تحل البدائل السلعية التركية، محل الأوروبي الأميركي التي تغزو الأسواق الخليجية، بما فيها السيارات والمنتجات الغذائية، رغم الفائدة المشتركة ورخص أسعار المنتج التركي، نتيجة القرب الجغرافي وحتى الذوق الاستهلاكي؟
أم أن ذلك ضمن الممنوع أميركياً وأوروبياً، وما التعاون وحجم التبادل المسموح بهما، سوى للمشروعات الصغيرة، والعقارية والمصرفية منها على وجه التحديد، بواقع شبه التبعية الاقتصادية السلعية التي تعاني منها معظم دول الخليج.
فقد زاد حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية، منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة مطلع عام 2003، من 9 مليارات إلى نحو 50 مليار دولار العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل، بواقع التقارب والتوافق السياسي، إلى نحو 70 ملياراً هذا العام.
لكن حجم التبادل هذا، بين تركيا وجميع الدول العربية، لا يساوي نصف الاستثمارات التي وعدت بها المملكة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم كل الويلات التي ألحقتها الولايات المتحدة، باقتصاد وسياسة الدول العربية.
فهل سنرى امتداداً للفورة، أو شهر العسل الخليجي التركي، والسعودي منه تحديداً، بعد أن أعلنت تركيا خيارها العربي والإسلامي، وبلغ اقتصادها من الإنتاج وشركاتها من الكفاءة، ما يغني دول الخليج عن الهيمنة الأميركية والأوروبية، أم المسألة ارتفاع حراري اقتصادي، مرتبط بتحولات سياسية وتقارب وجهات نظر، سيزول بزوال المسبب؟