وإبان صدور التقرير الأخير لرئيس الوكالة الدولية يوكيا أمانو، والذي أنهى مسألة الشكوك حول وجود أبعاد عسكرية لبرنامج طهران النووي، وفق ما اعتبرت إيران، أعرب رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي عن انتهاء عملية شحن اليورانيوم المخصب بنسب عالية إلى روسيا، وهو أحد أهم بنود الاتفاق بل وأصعبها، بحسب تعبير المسؤولين في الداخل الإيراني.
ووفق وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، قال صالحي أخيراً إن طهران نقلت 11 طناً من اليورانيوم المخصب، وتسلمت في المقابل 200 طن من الكعكة الصفراء، وهي مادة اليورانيوم الخام المضغوط القابلة للتخصيب، وكان من المفترض أن تتسلم إيران هذه الكمية تدريجياً على أن تحصل أولاً على 80 طناً من الكعكة. لكن صالحي رأى أن الحصول على كل تلك الكمية امتياز لبلاده ولمفاوضيها النوويين.
اقرأ أيضاً: نواب في البرلمان الإيراني يطالبون واشنطن بدفع تعويضات
وبحسب الاتفاق النووي، لا يسمح لإيران بالاحتفاظ بأكثر من ستة آلاف جهاز طرد مركزي من أصل تسعة عشر ألفاً، تمتلكها البلاد وتستخدم لأغراض التخصيب، كما لا يسمح لها بالاحتفاظ بأكثر من 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 في المائة، وما يزيد عن هذه الكمية وعن هذه النسب يجب نقله للخارج.
ووضعت البلاد بموجب الاتفاق أمام ثلاثة خيارات: إما تحويل اليورانيوم العالي التخصيب لألواح وقود تحقن في المفاعلات، وهو أمر يطول لسنوات، وإما ترقيق اليورانيوم العالي التخصيب، وهو ما اعتبره صالحي خياراً غير معقول بعد سنوات من العمل المضني لرفع نسب تخصيب اليورانيوم. أما الخيار الثالث، والذي فضلته طهران، فيتمثل في شحن اليورانيوم المخصب، مقابل الحصول على المواد الخام، وعلى الوقود النووي الذي قد تحتاجه البلاد مستقبلاً تحت رعاية الوكالة الدولية. وكان هذا أسلم الخيارات لإيران، وأسرعها، بغية الحصول على امتياز إلغاء الحظر الغربي وهو ما تنتظره طهران بفارغ الصبر.
وفي السياق، وصف مساعد وزير الخارجية الإيراني وعضو الوفد المفاوض حميد بعيدي نجاد عملية شحن اليورانيوم بالمعقدة والصعبة، مشيراً إلى أن أطرافاً عدة ساهمت بنجاح هذه العملية وتسريعها، إذ شاركت كازاخستان، والنرويج وأذربيجان، من خلال تأمين طريق نقل المواد النووية.
ورأى بعيدي نجاد في تصريحاته التي نقلتها المواقع الرسمية الإيرانية، أن نقل اليورانيوم يعني دخول البلاد للنادي النووي الدولي التجاري، إذ إن إيران باتت واحدة من الدول التي تصدر اليورانيوم وستصدر الماء الثقيل مستقبلاً، وهو ما أيده صالحي بدوره. ولكنها نقطة لقيت انتقادات جهات من التيار المحافظ، الذي رأى في الخطوة تقديم تنازل للغرب.
من جهة ثانية، يتوجب على إيران أن تبدأ بتفكيك أجهزة الطرد المركزي حسب الاتفاق، والعملية تجري على قدم وساق وفق المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، والذي أضاف في تصريحات صدرت عنه أخيراً أن البند الآخر الذي بدأت طهران بتنفيذه عملياً، هو إعادة تصميم قلب مفاعل آراك والذي يعمل بالماء الثقيل. وعلى إيران أن تشحن ما يفوق عن حاجتها من الماء الثقيل، فلا يتوجب عليها الاحتفاظ بأكثر من 130 طناً من هذه المادة، كما سيعاد تصميم قلب المفاعل للتحكم بإنتاج كميات البلوتونيوم فيه، وهي المادة التي تساعد على تصنيع سلاح نووي.
في هذه الأثناء، يتوقع مقابل هذه الخطوات الإيرانية إلغاء العقوبات المفروضة على البلاد، إذ توقع كمالوندي تطبيق الغرب لهذا البند مع نهاية شهر يناير/كانون الثاني المقبل، مضيفاً أنه من الضروري أن يلتزم الغرب بما عليه من تعهدات. وذكر أن نقضها أو عدم تطبيقها يعني عودة طهران لنشاطها النووي بوتيرة أسرع من السابق وهذا عبر استخدام نسل جديد من أجهزة الطرد المركزي، على حدّ تعبيره.
ويرى مراقبون أن الحكومة الإيرانية تهدف من وراء تطبيق خطوات الاتفاق، إلى مدّ جسر ثقة مع الغرب؛ فهي بانتظار قرع جرس إلغاء العقوبات الذي سيفتح الباب عريضاً أمام دور سياسي واقتصادي إيراني في المنطقة والعالم. وفيما اعتبر معنيون بالملف النووي في الداخل الإيراني أن شحن اليورانيوم إلى روسيا، والاستعداد لتصدير الماء الثقيل يعني الاستفادة من التكنولوجيا النووية الإيرانية في العالم، رأه آخرون تنازلاً مصيرياً.
يركز أولئك المحسوبون على المحافظين المتشددين، على الإجراءات والتصريحات الأميركية والأوروبية الأخيرة، ويرون أن عدم إلغاء العقوبات تزامناً مع تنفيذ التعهدات إيرانياً أمر مقلق، ويتخوفون من عدم إلغاء الحظر الاقتصادي مستقبلاً بصورة كاملة، في وقت تدعو فيه أصوات أميركية للإبقاء على بعض العقوبات.
ونقل موقع "رجانيوز"، وهو موقع محسوب على التيار المحافظ، أن اليورانيوم الذي شحن إلى الخارج هو نتيجة عمل مضن لعلماء ومهندسي إيران النوويين، فطهران طورت قدرتها على التخصيب لا لتصدر الوقود واليورانيوم، بل لتؤمن احتياجات الداخل، فقبل سنوات قل مخزون إيران من النظائر المشعة، وهو ما استدعى تطوير التخصيب ليصل إلى نسبة عشرين في المائة، مشيرين إلى أن هذه النظائر التي ينتجها مفاعل طهران للأبحاث تستخدم لعلاج 850 ألف مريض بالسرطان وبأمراض أخرى صعبة. لهذه الأسباب جميعاً، يتخوف المحافظون الذين لا يصادرون إنجازات الوفد المفاوض في الوقت نفسه، من عدم التزام الغرب مستقبلاً بتأمين ما تحتاجه طهران، أو بإعادة فرض العقوبات عليها لمبررات من المفترض أن يضمن الاتفاق إنهاءها.
وفي ظل الجدل الداخلي، وتصريحات صادرة من الخارج تقلق طهران من إعادة فرض العقوبات أو عدم إعادة أموالها المجمدة في مصارف الخارج، يبقى الكل بانتظار قرار إلغاء العقوبات. وإلى ذلك الحين، سيبقى الملف النووي الموضوع الأهم في الداخل. وفي وقت تستعد فيه إيران لخوض انتخابات تشريعية في فبراير/شباط المقبل، يتوقع أن تكون ثغرات الاتفاق والوضع الاقتصادي من أهم شعارات المتنافسين من مختلف التيارات.
اقرأ أيضاً: شتاء إيراني انتخابي ساخن: المواجهة المزدوجة الكبرى في فبراير