خلت شوارع العراق، وبعد عشر سنوات من استخدامها، من أجهزة الكشف عن المتفجرات، بعدما اعترفت الحكومة العراقية بفشلها، عقب إعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي سحب كل الأجهزة من نقاط التفتيش، إذ أظهرت أنها بدون جدوى، أمام الاعتداءات التي تضرب العراق يومياً، وآخرها تفجير الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد، والذي راح ضحيته نحو 400 قتيل وجريح.
وسبق وقضت السلطات البريطانية، بسجن الوسيط البريطاني جيمس ماكورك، الذي باع العراق تلك الأجهزة، و"أثبت أنها تستخدم لفحص المنظفات وليس المتفجرات".
وأصدر العبادي، عقب تفجير الكرادة، جملة قرارات من بينها، سحب أجهزة الكشف تلك، وإحالة جميع المتورطين في الصفقة إلى القضاء العراقي، ومنع خروجهم من البلاد، لحين اكتمال التحقيق. ويرجح أن يرد اسم نجل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وصهره ياسر صخيل، في التحقيق، إذ أشرفا على صفقة توريد تلك الأجهزة، لصالح وزارة الداخلية، فضلاً عن الوكيل الأقدم عدنان الأسدي.
وجاءت أوامر العبادي، بعد حملة واسعة شنها ناشطون ومثقفون على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا فيها ما وصفوها بالأجهزة الفاشلة عبر وسم "#جهاز_كشف_الزاهي" في إشارة إلى مواد التنظيف، ومنها مادة "الزاهي" التي تبين أن أجهزة كشف المتفجرات مخصصة لكشفها.
ويأتي قرار العبادي بعد نحو 10 سنوات من دخول تلك الأجهزة الخدمة في البلاد، خلال عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولم تمنع من دفع اعتداءات استهدفت العراقيين، وأسفرت عن مقتل وجرح عشرات الآلاف بمئات العبوات والسيارات المفخخة، التي لم تتمكن تلك الأجهزة من كشفها رغم مرورها بنقاط التفتيش.
إلى ذلك، اتهم رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية، حاكم الزاملي، وزير الداخلية محمد الغبان، بتحمل المسؤولية في عدم فعالية الأجهزة المخصصة لكشف المتفجرات عند نقاط التفتيش في العاصمة، والتي كلفت العراق مليارات الدولارات.
مبيناً، في بيان له، أن "الأجهزة تسببت في قتل آلاف الناس، وعلى المتورط تحمل مواجهة تهم القتل العمد".
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي، محمد الساعدي، معلقاً على قرار رفع الأجهزة، إنه "من الأفضل التفتيش اليدوي للسيارات، ولا بديل عنه، لأن فساد الساسة والمسؤولين، تسبب في موت آلاف الناس، وحان الوقت لوقف ذلك".
وتابع أن "صفقة الأجهزة تلك، جعلت الجندي في نقطة التفتيش أضحوكة، بحيث تمر المفخخات من أمامه إلى المدن بدون أن يدري".
وجاءت فكرة التعامل مع هذه الأجهزة عام 2006 حين ضربت البلاد موجة تفجيرات عنيفة جداً. فتعاقدت حكومة نوري المالكي آنذاك مع إحدى الشركات، وتم إبرام العقد معها وشراؤها، عبر وسيط بريطاني.
وما عزز إصرار الدولة على شراء تلك الأجهزة، تصريح وزير الداخلية العراقي السابق، جواد البولاني، آنذاك، والذي اعتبر فيه أن تلك الأجهزة "قادرة على كشف نترات الأمونيا، ومشتقات النترات، ومادة (RDX)، والبارود، والديناميت، وحتى المخدرات بمختلف أنواعها".
غير أن تقريراً صدر عن السلطات البريطانية، كشف حقيقة تلك الأجهزة، التي تبين توريدها إلى البلاد عبر شركة وسيطة لمحتال بريطاني، تلقى أموالاً طائلة من الحكومة العراقية مقابل أجهزة لكشف المتفجرات، تبيّن أنها مخصصة للكشف عن كرات الغولف وبقايا سوائل التنظيف المنزلية.
وبعد تلك الفضيحة المدوية، كشفت تقارير محلية، أن "الأجهزة تم بيعها إلى العراق بعد دفع رشاوى لمسؤولين عراقيين، وصلت قيمتها لأكثر من 75 مليون دولار أميركي، ووصل ثمن الجهاز الواحد إلى أربعين ألف دولار".
جدير بالذكر، أنه عقب الكشف عن تفاصيل الصفقة، أجرت المحاكم البريطانية تحقيقاً موسعاً، وأصدر القضاء البريطاني عام 2013 حكماً بالسجن عشر سنوات ضد رجل الأعمال البريطاني جيمس ماكورك، الذي باع تلك الأجهزة للعراق وتبيّن أنها مزيفة.
كما سبق ذلك بعام واحد، إصدار حكم بالسجن أربع سنوات بحق المدير العام لمكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية، اللواء هادي الجابري، بعد إدانته بتهم فساد، تخص فضية أجهزة كشف المتفجرات، لكن المستغرب أنها بقيت في الخدمة حتى الآن، كما يقول الخبراء.
وكانت قيمة الصفقة التي أبرمتها الحكومة العراقية، مع ماكورك، 91 مليون دولار، مقابل آلاف الأجهزة التي سحبت اليوم من نقط التفتيش في العراق.