شيء ما ينبحُ عليّ من الداخل

11 مايو 2017
+ الخط -

 

(1)

 شيءٌ ما ينبحُ عليّ من الداخل. تستطيعُ أيّةُ إمرأة بيديها النحيلتين أن تلمسَ فراءه الكثيف وتحسّ بلهاثه المتوتر. ثمة عتمة جارحة تطلّ برؤوسها الألف من الشقوق الصغيرة. عتمة كافية لاستدراج أقسى الكآبات. لماذا أنت حزين إلى هذه الدرجة؟ تهمس المرأة التي تقطع شرايينها في حوض استحمام دافئ... ثم تواصل الغناء. لماذا أنت حزين إلى هذه الدرجة؟ يسأل العنكبوت الوحيد في الزاوية ثم يواصل نسج خيوط غير مرئية. لماذا أنت حزين إلى هذه الدرجة؟ يخاطبك الرجل الغريب من صورة قديمة بالأبيض والأسود... ثم يواصل الموت.

شيء ما ينبح عليّ من الداخل. أردتُّ اقتلاعه عنوة، لكنني لم أعد أعرف مكانه حقاً. تحت جلدي نساءٌ ومراثٍ لا تنتهي... أخذتني كقافلة منسية إلى حلم. وألقتني في جحيم دام من الهواجس. حدثتني أصابعي عن خوفها من البتر. حدثني فمي عن شهوته الهائلة في الصمت. حدثني دمي عن شرايين مقطوعة. وحدثني قلبي عن غربان وكلاب تقوده إلى الخلاص. الأرض مستديرة كمشنقة... مشنقة لا نهائية، لكنني أمشي، وأمشي قرب الحافة. شيءٌ ما ينبح عليّ من الداخل... يدفعني إلى الحافة أكثر...الحلم أزرق، العتمة زرقاء، الوديان السحيقة زرقاء...

والريح تصفّر حولي مثل غجريٍّ ثمل.

 

(2)

هل تحبين إطلاق النار على الأشياء؟!

أنتِ لا تحبين ذلك...

أنتِ تمقتينه بلا نهاية

اسمعي:

هناك رواية اسمها "نظافةُ قاتل"

هناك رواية اسمها "التيه"

هناك رواية اسمها "ما بعد الظلام"

هناك رواية اسمها "جحود"

كلها تدفعني إلى التفكير

أنه في لحظة ما 

لحظة تشبهُ الطرقَ على جدارٍ من الكرتون المقوّى

ستستيقظين من نومٍ كان يبدو أبديّاً وخانقاً

بيجامة بيضاء

وشعر أسودُ قَلِق

لتحركي الستارة...

وتفكري: ما الذي أفعلُه هنا؟

"عَمّان" مدينةٌ قذرة... أليسَ كذلك!

أوافقك الرأي... كراوٍ مهزوم أمامك، علي أن أوافقك الرأي. أنا في النهاية معجبٌ بالدراما الجذابة التي تحيطين بها نفسك.

ممم أنتِ تحبين ذلك... صح؟

أعرف أنك لم تتخيلي يوماً أنّ هذه الأصابعَ النحيلة الطويلة ستصلحُ لتجريب مسدس أسود مثلاً...

هذه الأصابع التي طرّزت لوحةً إيطالية معجزة.

ولوحتين ترويجيتين على الأقل، سوف تجرب إطلاق النار للمرة الأولى.

عزيزتي... أنتِ تصبحينَ أخّاذةً فعلاً عندما تحملينَ مسدساً من عيار 14 ملم.

أطلقي النار على العصفورِ هناك. مرةً واحدةً من أجلي. مرةً واحدةً فحسب...

 

ما رأيك لو نجرب ذلك على أعمدةِ النور في الشارع، ليسوا أكثر من  رجالٍ منهكين من التحديق يحبّون أن يتحرشوا بعتمتك. أنت امرأةٌ معتمة. أحبُّ هذا فيكِ وأشعرُ بالشفقة أحياناً. أنتِ لا تستحقين كل هذا الأسى!

لكن ما الذي يمكن صنعه؟!

ممم

ما رأيك لو نطلق النارَ على الشرطيّ هناك في آخر الشارع؟

إنه بلا عمل

مسترخٍ على كرسيّ البلاستيك الأبيض

ولا يبدو أنه يعاني... إنه مسترخٍ هناك فقط.

أعرف أن هناك جزءاً مريضاً داخلك يقول لك أن تفعليها

أعرفُ أن صرخة واحدة على الأقل في رأسكِ تقول لك أن تفعليها.

أوووه  يا إلهي انظري إليه

إنه يترنح

 إنه يسقطُ أرضاً

لا تخافي... لا تخافي

رعشاتُه هذه لن تستمرّ طويلاً

 ها قد توقفت...

 أرأيتِ لم يكن الأمرُ صعباً إلى تلك الدرجة!

 

(3)

 لم تعد تمتلك الرغبة في المحاولة، ليس لأنك لم تعد مُهتماً، لكنك لا ترغب بالمزيد فحسب، العالم لا يتسع للمزيد أصلاً... وأنت تبدو كما لو أنك عالق مع  سبعة مليار نسخة عنك في جزيرة صغيرة. لقد أرسلت كل إشارات الاستغاثة في جميع الاتجاهات لكن بلا جدوى. الحياة مرت مثل سفينة في الأفق دون أن تراك. متروكاً ويائساً ومحترقاً بجحيم هائلٍ داخلك... تضع روحكَ في زجاجة سوداء ثم تلقيها في أعمق البحار، آملاً أن لا يلتقطها أحد، وأن تختفي مثلك مثل كل الأشياء التي عرفتَها يوماً... مثل كل الأماكن والبشر... بعيداً بعيداً جداً وإلى الأبد.

(4)

جرّبْ أن تقفل البابَ على نفسك وتلقي بالمفتاح

في دورة المياهِ

لتعرفَ أنّ عددَ المجانين داخلك

يتناسبُ طردياً مع مدةِ جلوسك وحيداً...

حتى الآن استطعتُ

أن أعدَّ خمسةً منهم...

ثمة شخصٌ في رأسي

وهو ليس أنا بالطبع،

ثمة شخصٌ

يرقدُ على السرير المجاور

وهو ليس أنا بالطبع،

ثمة شخصٌ

يعبثُ بأدواتِ المطبخ

وهو ليسَ أنا بالطبع،

ثمة شخصٌ

يُصَفّرُ لحناً حزيناً

في المَمَرّ

وهو ليس أنا بالطبع،

ثمة شخصٌ

ينادي اسمي

ويدعوني إلى الخروج...

هل عليّ أن أصدقه؟!

 

دلالات
4CFF7673-8C7A-4FB5-B5A3-AD84FFD9CCAC
4CFF7673-8C7A-4FB5-B5A3-AD84FFD9CCAC
عمر زيادة

مواليد نابلس عام 1987، حائز على درجتي البكالوريوس والماجستير في اللغويات التطبيقية والترجمة من جامعة النجاح الوطنية. يعمل مترجماً في اتحاد الكتاب الفلسطيني. صدرت له مجموعة شعرية واحدة بعنوان "كلاب عمياء في نزهة".

عمر زيادة