02 نوفمبر 2024
شيخوخة فرنسا
تسلّى فلسطينيون كثيرون بمتابعة أخبار مؤتمر باريس للسلام الذي عُقد في 3/6/2016، واعتُبر مجرد اجتماع تحضيري لمؤتمر السلام الذي سيُعقد قبيل نهاية هذه السنة. أما فكرة المؤتمر، فكان لوران فابيوس أعلنها في مطلع عام 2016، وهدّد بأن تعمد فرنسا، في حال فشلت مبادرتها، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن هذا التهديد لم يلبث أن تبخر على لسان رئيس الحكومة، مانويل فالس، الذي دعا الدول العربية إلى الاعتراف مسبقاً بإسرائيل، لتشجيعها على سلوك طريق السلام. وكان المؤتمر منبراً ليعرض كل طرفٍ بضاعته؛ فالسعوديون أعادوا التذكير بمبادرة السلام العربية التي قوبلت، حين إعلانها في عام 2002 باستخفافٍ إسرائيلي، وإهمال دولي. والولايات المتحدة الأميركية لم تكن متحمسة للمبادرة الفرنسية، لكنها تجاوبت معها من باب حُسن العلاقات الثنائية. ورفضت إسرائيل المبادرة جملة وتفصيلاً، وراحت تسحب بطاقة "المبادرة الإقليمية" للرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، في وجه المبادرة الفرنسية. وتجلى خبث نتنياهو في مناورته الإجهاضية للمبادرة الإقليمية الواهية التي كانت تشترط ضم يتسحاق هيرتزوغ إلى الحكومة الإسرائيلية. لكن نتنياهو، استخفافاً بهذه المبادرة وبصاحبيها، عمد إلى ضم أفيغدور ليبرمان إلى حكومته، بدلاً من هيرتزوغ.
لم يكن هذا المؤتمر جدّياً ألبتة؛ فلا اقتراحات ولا قرارات ولا خطوات. وتثاءب كثيرون وهم يستمعون إلى خطاب الرئيس هولاند. وبعد أن طوى كل وزير حقيبته، نسي وقائع ذلك اللقاء. وكان من المتوقع أن تفشل المبادرة الفرنسية، لكن، ما لم يكن متوقعاً تماماً أن المبادرة ستكون فاشلةً إلى هذا الحد المهين. وتقيس هذه النتيجة البائسة مكانة فرنسا اليوم، بعدما شاخت منذ زمن بعيد. وآخر الكبار من زعمائها بعد ديغول كان فرانسوا ميتران. وبعد انطواء عهده، بدأ الانحطاط العميم. فجاك شيراك تلقى الأموال من رفيق الحريري، واستخدم أموال بلدية باريس لتعزيز مواقع أنصاره. وساركوزي تلقى من معمر القذافي أموالاً طائلة لدعم حملته الانتخابية. ولعل هذا الانحطاط في مستوى الرؤساء ظاهرةٌ عالمية. لنتذكّر كيف قبّل سيلفيو برلسكوني يد القذافي. وها هو دونالد ترامب عادم الثقافة يدبّ نحو الرئاسة الأميركية. وأفيغدور ليبرمان (ما غيرو) أصبح أحد صُنّاع القرارات الإسرائيلية، بعدما كان حارساً للكباريهات. لنتذكر أيضاً أن بعض الفرنسيين جبنوا عن مقاومة الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، بل تعاون كثيرون جداً منهم معه وأورثوا فرنسا العار.
النتيجة المباشرة لهذا المؤتمر هو اليأس من السلام في فلسطين. أما العودة إلى المفاوضات المباشرة فهي وصفة قديمة لتضييع الوقت والفشل معاً. ومع أن التاريخ القريب للمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية يبرهن ذلك بوضوح، إلا أن مؤتمر السلام في فرنسا ما برح يلوك الكلام، ويعلك العبارات من عيار: يعرب المؤتمر عن قلقه... ويدعو إلى حل الدولتين... وإلى التمسك بالسلام العادل (يا سلام!). ماذا كان يفعل الفلسطينيون غير التفاوض في سبيل السلم وحل الدولتين، طوال أكثر من عشرين سنة؟. وهل يحتاج العالم إلى برهان إضافي عن أن نتنياهو لا يريد السلام، ولا يهمه السلام مع العرب في نهاية المطاف؟ ما يهم نتنياهو حقاً أن يعترف العرب جميعهم بإسرائيل دولة يهودية، وأن يعلنوا ذلك على الملأ، بحيث لا يبقى العشق العربي لإسرائيل سرياً ومكتوماً كما هو اليوم. وهذا أمر خطير، لأن اعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي يعني الاعتراف بحق تقرير المصير لليهود على أرض فلسطين، أي أن النضال الفلسطيني، طوال نحو مئة عام، كان كله إرهاباً وعدواناً على "الشعب اليهودي". فهل يدرك العرب هذا الأمر، فيتداركوا مهانتهم، ويستفيقوا من غفلتهم؟ أَيظن أحدٌ من الفلسطينيين غير ذلك؟
لا أظن.
لم يكن هذا المؤتمر جدّياً ألبتة؛ فلا اقتراحات ولا قرارات ولا خطوات. وتثاءب كثيرون وهم يستمعون إلى خطاب الرئيس هولاند. وبعد أن طوى كل وزير حقيبته، نسي وقائع ذلك اللقاء. وكان من المتوقع أن تفشل المبادرة الفرنسية، لكن، ما لم يكن متوقعاً تماماً أن المبادرة ستكون فاشلةً إلى هذا الحد المهين. وتقيس هذه النتيجة البائسة مكانة فرنسا اليوم، بعدما شاخت منذ زمن بعيد. وآخر الكبار من زعمائها بعد ديغول كان فرانسوا ميتران. وبعد انطواء عهده، بدأ الانحطاط العميم. فجاك شيراك تلقى الأموال من رفيق الحريري، واستخدم أموال بلدية باريس لتعزيز مواقع أنصاره. وساركوزي تلقى من معمر القذافي أموالاً طائلة لدعم حملته الانتخابية. ولعل هذا الانحطاط في مستوى الرؤساء ظاهرةٌ عالمية. لنتذكّر كيف قبّل سيلفيو برلسكوني يد القذافي. وها هو دونالد ترامب عادم الثقافة يدبّ نحو الرئاسة الأميركية. وأفيغدور ليبرمان (ما غيرو) أصبح أحد صُنّاع القرارات الإسرائيلية، بعدما كان حارساً للكباريهات. لنتذكر أيضاً أن بعض الفرنسيين جبنوا عن مقاومة الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، بل تعاون كثيرون جداً منهم معه وأورثوا فرنسا العار.
النتيجة المباشرة لهذا المؤتمر هو اليأس من السلام في فلسطين. أما العودة إلى المفاوضات المباشرة فهي وصفة قديمة لتضييع الوقت والفشل معاً. ومع أن التاريخ القريب للمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية يبرهن ذلك بوضوح، إلا أن مؤتمر السلام في فرنسا ما برح يلوك الكلام، ويعلك العبارات من عيار: يعرب المؤتمر عن قلقه... ويدعو إلى حل الدولتين... وإلى التمسك بالسلام العادل (يا سلام!). ماذا كان يفعل الفلسطينيون غير التفاوض في سبيل السلم وحل الدولتين، طوال أكثر من عشرين سنة؟. وهل يحتاج العالم إلى برهان إضافي عن أن نتنياهو لا يريد السلام، ولا يهمه السلام مع العرب في نهاية المطاف؟ ما يهم نتنياهو حقاً أن يعترف العرب جميعهم بإسرائيل دولة يهودية، وأن يعلنوا ذلك على الملأ، بحيث لا يبقى العشق العربي لإسرائيل سرياً ومكتوماً كما هو اليوم. وهذا أمر خطير، لأن اعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي يعني الاعتراف بحق تقرير المصير لليهود على أرض فلسطين، أي أن النضال الفلسطيني، طوال نحو مئة عام، كان كله إرهاباً وعدواناً على "الشعب اليهودي". فهل يدرك العرب هذا الأمر، فيتداركوا مهانتهم، ويستفيقوا من غفلتهم؟ أَيظن أحدٌ من الفلسطينيين غير ذلك؟
لا أظن.