شير غلاب.. يغسل ملابس الباكستانيّين منذ عقدَين ونصف العقد

07 نوفمبر 2015
لا يستريح حتى في أيام الإجازة (العربي الجديد)
+ الخط -
يوم قصد شير غلاب إسلام آباد بحثاً عن عمل يساعده على العيش بكرامة، بدأت معاناته. وأصرّ على المحاولة، لعله ينجح في تحقيق ولو حلم واحد.

منذ خمسة وعشرين عاماً وعلى مدار الساعة، يعمل شير غلاب في غسل الملابس، في العاصمة الباكستانية إسلام آباد. لا يستريح حتى في أيام الإجازة، ليؤمّن لقمة عيش عائلته ولكي يتمكّن من تزويج أولاده الأربعة، في حين يحول الفقر وغلاء الأسعار دون ذلك.

في عام 1990، ترك غلاب (49 عاماً) منطقته شترال الجبلية الواقعة في شمال باكستان وقصد العاصمة إسلام آباد. كان يحلم آنذاك بالعثور على عمل في إحدى المؤسسات الحكومية، بيد أنه لم يكن يملك المال للحصول على العمل وهي العادة الرائجة في البلاد، ولم يجد أحداً يتشفّع له.

تابع دراسته الثانوية في شترال بشقّ النفس، إذ إن وضع أسرته المادي كان صعباً جداً. من ثمّ ترك الدراسة وتوجه نحو العاصمة. وبعدما حاول كثيراً إيجاد عمل في القطاع الرسمي مستخدماً كل الوسائل الممكنة، عاد ليتراجع عن الفكرة وقد فقد الأمل. في وقت لاحق، راح يبحث عن عمل في التجارة في مدينة روالبندي القريبة من العاصمة، إلا أن يده الخالية لم تسمح له بالمضي في ذلك.

بقي فترة من الزمن من دون عمل، حتى أنفق المال الذي كان في حوزته، ولم يجد إلا العمل في الأسواق كي يؤمن مصاريف الطريق إلى المنزل. "كنت أكره العاصمة آنذاك، إذ لم أجد فيها من يساعدني في الحصول على عمل، أو على أقل تقدير يساعدني في الحصول على أجرة الطريق لكي أعود إلى منزلي وأتخلص من المعاناة".

في إحدى الليالي، وبينما كان غلاب يبحث عن مأوى، التقى راجه بابا وهو شيخ كبير توفي قبل عشرة أعوام من اليوم. حكى له قصته، فعطف عليه واصطحبه إلى منزله حيث بات ليلته. وفي الصباح، خيّره بين أمرَين، إما أن يعطيه أجرة الطريق كي يعود إلى بيته وإما أن يبقى معه لأيام وهو يساعده في الحصول على عمل. لم يتردّد، واختار الثاني. وراح الشيخ يتصل بأقارب وأصدقاء له، ووجد له بعد يومين عملاً في أحد مغاسل الملابس. ومنذ ذلك الحين، هو يعمل في المهنة نفسها، على الرغم من أنه تنقّل من مغسل إلى آخر، إما بحثاً عن راتب أفضل وإما بعد شجار مع صاحب محل.

اليوم، يكسب غلاب نحو عشرين ألف روبية باكستانية (نحو 200 دولار أميركي) شهرياً، يرسل منها 15 ألفاً (نحو 145 دولاراً) لعائلته ويحتفظ بما تبقّى لاحتياجاته الشخصية. لكن في أحيان كثيرة، يستدين مبلغاً من المال من بعض زملائه في العمل، لأن ما يملكه لا يكفيه، خصوصاً وأنه يعاني من مرض السكري ومشاكل في الرئتين، ويحتاج إلى أدوية دائمة.

كان المبلغ المخصص للعائلة يكفيها، إذ إنها كانت تملك أرضاً زراعية تنبت الخضار والقمح. وهي كانت تبيع بعضاً من تلك الخضار لسدّ بعض احتياجاتها. أما في الأشهر الأخيرة وبسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات، دُمّرت تلك الأراضي الزراعية وبقيت الأسرة بلا زرع، وهو ما زاد من معاناتها ومعاناة غلاب. "ما حدث أخيراً في القرية هو أن المحاصيل الزراعية أتلفت بالكامل. وأنا لا قدرة لي على تأمين مال أكثر لعائلتي. الحكومة وعدت بمساعدتنا، لكنها لم تفعل شيئاً".

ولأن ظروف الحياة بهذه القساوة والحالة المعيشية مزرية ومصاريف الطريق كبيرة، لا يزور غلاب عائلته في شترال إلا مرّة واحدة كل ستة أشهر، على الرغم من أنه يفتقد أولاده وأسرته. في كلّ شهر، عندما كان يتقاضى راتبه، كان يأمل لو يذهب إلى المنزل ويحمل معه بعض الهدايا إلى أولاده وأهله. لكنه سرعان ما كان يعود إلى أرض الواقع. هو لا يستطيع الانقطاع عن العمل، إذ إنّ ربّ عمله لا يدفع له بدل أيام الإجازة.

تجدر الإشارة إلى أنّ أسرة شير غلاب تتألف من ستة أشخاص، هم زوجته وأولاده الأربعة، ابنان وابنتان، وأخوه الذي لم يتزوّج. لم يتابع أيٌّ من الأولاد دراسته، إذ حالت الظروف المعيشية المتردية دون ذلك، على الرغم من سعي والديهما. واليوم، يعمل الابنان، نور غلاب، وآله نظر، في الحقول القريبة من المنزل.

كثيرة هي آمال غلاب، ومنها تزويج الأولاد جميعهم ليتمكنوا من تكوين أسرهم الخاصة، خصوصاً وأنّ ذلك يريح بال الوالدة. لكن ذلك غير ممكن، إذ إنّ ما من عمل مستقر وثابت للابنَين يمكّنهما من تكاليف الزواج. أما الابنتان، فتحول دون تزوجهما عادة التجهيز الباكستانية التقليدية، أي أن تتكفّل أسرة العروس بتحضير ما يحتاج إليه العروسان من أثاث للمنزل وغيره.

ولعلّ أحد أبرز آمال شير غلاب، هو العثور على عمل في شترال على مقربة من منزله، لكي يتمكن من زيارة أسرته ولو مرّة واحدة شهرياً. إلى ذلك، ولأنه يعاني من المرض، فهو يحتاج أيضاً إلى الاحتياط في الأكل والشرب، والأمر صعب بسبب بعده عن المنزل.

اقرأ أيضاً: المرأة الباكستانية مكافِحة حرائق للمرة الأولى
دلالات
المساهمون