معظم أهالي مخيّم اليرموك في سورية تركوا بيوتهم ونزحوا أو لجأوا إلى أماكن مختلفة من جراء الحرب. بعضهم اختار النزوح إلى أماكن أخرى في الداخل، في وقت لجأ آخرون إلى لبنان أو دول أوروبية وغيرها. صابرين أبو العلا فتاة في العقد الثالث من العمر، تتحدّر من بلدة شفا عمرو في فلسطين (قضاء حيفا). كانت تعيش في مخيّم اليرموك في سورية قبل أن تنتقل إلى مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا (جنوب لبنان).
قبل الحرب، كانت صابرين تعيش حياة مستقرة وسط عائلتها، وتدرس تصميم الأزياء. لكنّها خسرت كلّ شيء حين اضطرت في العشرين من عمرها إلى اللجوء إلى لبنان. "لم يعد للحياة معنى أو لون"، تعلّق.
وتقول صابرين: "بعد اندلاع الحرب في سورية واستهداف مخيّم اليرموك، نزحت مع عائلتي إلى أكثر من منطقة في سورية. إلّا أن هذا النزوح المتكرّر دفعنا أخيراً إلى اتخاذ قرار المجيء إلى لبنان. بداية، رافقتُ أسرة عمي في رحلة المجيء إلى لبنان، وتحديداً إلى مخيم عين الحلوة، ثمّ لحقت بنا عائلتي. تركنا أصدقاءنا وكتبنا وبيوتنا وحياتنا وأحلامنا، وجئنا إلى مخيم عين الحلوة الذي لا يشبه اليرموك. شعرتُ أنّني أنتقل من مدينة إلى مخيم. في عين الحلوة، سكنا في غرفة واحدة. وبعد مرور أيام، تركناها وانتقلنا إلى بيت يعد من أفضل البيوت في المخيم، إلّا أن بدل إيجاره كان أربعمائة دولار. لم أعد أبالي بدراستي التي كانت تشكل حلماً بالنسبة لي. كنّا عائلات عدّة في البيت، قبل أن تتمكن شقيقتي وشقيقي من الهجرة إلى أوروبا".
تذكر صابرين أنّ شباب العائلة كانوا يتجمّعون في منزلنا، ويلعبون "الشدّة". "ما من شيء يمكن القيام به هنا سوى تمضية الوقت". تضيف: "أهوى القراءة، إلا أنني لا أملك المال لشراء الكتب. كما أنني لم أتمكن من متابعة دراستي، ولم أحقق حلم أمي الذي كانت قد بنته منذ سنوات طويلة. بعد سفر شقيقتي، حاولت متابعة تعليمي. لكن الأمر كان صعباً، ولم أتمكن من الحصول على شهادتي من سورية. في وقت لاحق، انتسبت إلى معهد في المخيم، وحصلت على شهادة من دون أن أتمكن من معادلتها بسبب الكلفة المادية العالية". وتشير إلى أن عائلتها لم تتمكن من الحصول على إقامة بسبب عدم توفر المال.
بعد هذه المحاولات، "شعرت باليأس وتخليت عن حلمي بمتابعة دراسة تصميم الأزياء. عملت مع الأطفال. وخلال خوضي هذه التجربة الجديدة، اكتشف أحدهم أنني موهوبة في الكتابة، وعرض علي العمل في مجلة قلم رصاص، التي تعنى بقضايا الفلسطينيين واللاجئين في المخيمات الفلسطينية". تضيف صابرين: "كثيراً ما شعرت بالانكسار، إلا أنني قررت المضي قدماً. وعلّمتني تجربتي أن الحياة لا تقف في مكان معين، وتجب المتابعة. ما زلت أحلم أن أترك لبنان وأهاجر إلى أوروبا، حيث يُقدّر الإنسان. جربت مرات عدة الهجرة، لكنّني لم أوفق بسبب الإمكانيات المادية، إذ إن السفر يحتاج إلى مبالغ كبيرة". وتتابع: "كان حلمي أن ألتحق بالجامعة وأدرس اللغة العربية أو المحاماة. لكن علاماتي لم تسمح لي بذلك، فالتحقت بمعهد لتصميم الأزياء. ثم بدأت الحرب وقتلت حلمي كما كل شيء جميل في حياتنا. هدمت بيتنا وشردتنا".
خلال حديثها، لا تخفي صابرين دموعها بسبب كل ما أصابها هي وعائلتها من جراء الحرب. ربما تطول الحرب، لكن الحياة مستمرة. ولا يعلم أولئك الذين هاجروا إن كان في استطاعتهم العودة إلى بيوتهم في حال انتهت الحرب. لكنّهم يدركون جيداً أن الحرب تلاحقهم منذ عام 1948، حين تركوا فلسطين.
اليوم، تُدرك صابرين جيّداً أن الحياة قاسية، إلا أنه ما من خيارات سوى عيشها بحلوها ومرّها. وإن لم تحقّق أحلاماً قديمة، فستسعى إلى تحقيق أخرى. تأمل أن تتمكن من اللحاق بشقيقها أو شقيقتها والعيش في أوروبا. وعلى الرغم من مرور بعض الوقت على لجوئها إلى لبنان، لم تتمكن من التكيّف معه تماماَ.