لا يخفى على الناظر تأثر جدارية "مجزرة صبرا وشاتيلا" للتشكيلي العراقي ضياء العزاوي بلوحة بيكاسو "غرنيكا".
ربما كان العزاوي يحلم، وهو يرسم جداريته التي يعرضها متحف الـ"تيت" اللندني منذ اقتناها عام 2012، في أن تكون نظيرةً في الفن العربي الحديث لعمل بيكاسو. هذا هو، على الأقل، الانطباع الأول لدى مشاهدة الجدارية، لا سيما وأن موضوع اللوحتين واحد: المجزرة. ولا بد من القول هنا، إن عمل بيكاسو العظيم، نفسه، يستدعي لدى مشاهدته أعمالاً شهيرة تقف خلفه في تاريخ الفن، تناولت المجازر الكبرى، مثل منحوتة "مجزرة الأبرياء" لجيوفاني بيسانو، ولوحة غيزل بيرتاس "الحكم الأخير".
ذلك أن موضوع المجزرة استوقف كثيراً من التشكيليين والنحاتين في تاريخ الفن، وما زل يستدرج، في وقتنا الحاضر، أعمال الفيديو آرت والتجهيز والتشكيل، انطلاقاً من أن "الصورة المرسومة" أو الإبداعية لا تقل أهمية عن الصورة الفوتوغرافية، في سعيها لتوثيق الموت. ويمكن اتخاذ الأعمال الفنية للنحاتين والتشكيليين السوريين مثلاً حياً عن ذلك.
تحمل جدارية العزاوي التناقض والتشابك بين الحياة والموت. تجسّد التراجيديا والعنف، إذ تروي قصة 3000 ضحية ذبحوا في ليلة واحدة. الوجوه الباكية، الرؤوس والأوصال، كرسي محطم، سكاكين، قذائف، ثم الأوصال مرة أخرى. رأس الثور في "غرنيكا" يعود للظهور مرة أخرى في عمل العزاوي.
يقول الفنان العراقي في مقابلة مصوّرة مع المتحف البريطاني: "رسمت شيئاً لا علاقة له بالبروباغندا؛ العمل توثيق للمأساة".
حين بدأ العزاوي رسم المجزرة، كان يملك لفّة واحدة من الورق. بدأ يرسم مباشرة من دون رسوم إعدادية، متأثراً بكتابة جان جينيه "أربع ساعات في شاتيلا".
يقول جينيه: "وسط جميع الضحايا التي تعرضت للتعذيب، وبالقرب منها، لا يستطيع ذهني أن يتخلص من تلك "النظرة اللامرئية": كيف كان شكل ممارس التعذيب؟ من هو؟ إنني أراه ولا أراه. إنه يفقأ عيني، ولن يكون له أبداً شكل آخر سوى الشكل الذي ترسمه وضعية أجساد الموتى، وإشاراتهم الخشنة، وهم تحت الشمس، تنهبهم أسراب الذباب".
وعلى العكس من "غرنيكا" التي، على الرغم من التراجيديا التي تمثلها، تحمل إشارة للمقاومة ممثلة بقبضة ممتدة تحمل فانوساً مضيئاً في المنتصف، فإن "ملحمة" العزاوي لا تحمل أي بارقة أمل. لقد توقف الزمن وتجمّد في لحظة ما بعد فعل الذبح.
النحات الكويتي سامي محمد اختار، هو أيضاً، أن يحاكي صبرا وشاتيلا بمنحوتة تجسد رجلاً مقيداً بأربطة تحوّله إلى كتلة متشنّجة تفلت منها ذراعه لتسقط على الأرض معلنةً موته. وكما في لوحة العزاوي، لا تحوي هذه المنحوتة إشارات مقاومة أو أمل؛ فحتى بريق البرونز المصقول الذي اختاره الفنان لتنفيذ العمل، أضاف مزيداً من القسوة عليه.
اثنان وثلاثون عاماً مضت على مجزرة صبرا وشاتيلا، وما يزال الفن، إبداعياً كان أم توثيقياً، واقفاً عند حدود صناعة صورة رمزية تخلّد ذكرى من استشهدوا من دون أن تشبه الواقع تماماً. "إن الصورة الشمسية لا تلتقط الذباب، ولا رائحة الموت البيضاء والكثيفة. إنها لا تقول لنا القفزات التي يتحتم القيام بها عندما ننتقل من جثة الى أخرى"، يقول جينيه.