صبغة شعر
قد يوهمنا الهرم، ونحن في عنفواننا، أنه تقاعد واختار الإقامة الأخيرة في رؤوس ونفوس سوانا، لأنه كما الموت، حقيقة وحق ولكن على الآخرين فقط، فنركن إلى طبيب اسمه الشباب، وإن لم تصح علاجاته على الدوام، لنستفيق قلقين من استسلامنا للزمن ومن تعويلنا على الزوائل، وقد "اشتغل الرأس شيباً".
قلقين استفقنا. بديهي أن يكون تنامي الشيب مدعاة قلق، فما يقال عن الأشيب، وما يتركه الشيب على المشيب، إنما يحمل على قلق إضافي مواز. ذلك أن الرأس الأشيب قد يحكم بحدود، دلت على بعضها استساغته الانحناء أمام أي صباغ، يعيد لشعره، وإن إلى حين ما فعلته السنون. ولكن، هل من الاستحالة تغيير الشكل بما يتلاءم مع الحاجة.
الجواب: لا، في أغلب الظن. لأن الرائج في زحمة الحضارة. هو المبالغة في" التشعير" رغم أن الأحكام لا بد أن تكون حذرة، مثنى وثُلاثَ، لأنّ التعميم بالفعل قتال.
في عام 1907، اخترع الفرنسيون صبغة الشعر ليضخوا ولو جرعة يسيرة من الأمل، في رأس من اشتكى من شيب رأسه ورأى في "نقاء الأبيض" سبباً للتقاعد أو الانهزام، لطالما لكل زمان دولة ورؤوس ورجال.
إلا أنه، ولأن لا مكان للإطلاق على الأرض، فلتلوين الشعر ضريبته أيضاً. إذ مازالت الدراسات تحذر من التلون لفترات طويلة، لأن الذين واللاتي، يصبغون أو يصبغن، شعورهم أو شعورهن، زاد لديهن أو لديهم، خطر الإصابة بأورام ليمفاوية سرطانية، ومن بالغ في صبغات داكنة، زادت نسبة الإصابة عنده بالضعف.
وأيضاً لمن يهمه الأمر، تقول التقارير الصحية إن حني الرأس فوق المغسلة في صالونات التلوين، قد يزيد، من خطر إصابة الأشخاص الذين يعانون من مشكلات أو إصابات معينة في الرقبة، بالسكتة الدماغية، لأن جروح الجذور العصبية تحدث عند حني الرقبة، خاصة إلى الخلف أو لفترات طويلة.
كما، ولمن يهمه الأمر أيضاً، أنّ الاستخدام الطويل للتلوُّن، إنّما يزيدُ مخاطر الإصابة بنوع خطر من السرطان الذي يهاجم المناعة يعرف بـ "ليمفوما غير هود جكن".
طبعاً، الكلام نسبي، ونسبيته تتأتى من نوع الصبغة ومهارة الصباغ وزمن الصبغة والثمن الذي سيدفع، لأن بعض الأصبغة المعدنية التي تحوي على أستيات الرصاص ونترات الفضة وأملاح البزموت، هي الأخطر، وإن كانت الأكثر ثباتاً.
ونظرة الإسلام لحال لعبة التلوّن متباينة، نظراً لنتائجها الخطرة على شكل وسلامة المتلونين، فالإسلام لم يحرِّم الصبغة قطعياً، وإن نهى عن الأسود "غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد".
في بحثي عن معلومات ذات صلة، عرفت أن بلداً عربياً استضاف مؤتمراً دولياً لمكافحة آثار الشيخوخة، ومنها الشيب، وفوجئت أن هاجس رتق قناع الشباب غدا طقساً دولياً، وأن نسبة نمو قطاع مكافحة الشيخوخة، تعدت التسعة في المئة وأن مبيعات هذا القطاع زادت العام الحالي عن 98 مليار دولار وأن عائدات طب مكافحة الشيخوخة زادت عن 115 مليار دولار، وربما الأرقام بازدياد بواقع تعاظم الاهتمام بالشكل والسعي لتسويقه ملوناً، بحسب ما يطلبه المشاهدون.