تقضي نساء صحراويات في المغرب أوقاتهن بنظم نوع خاص من الشعر، يسمى "التبراع"، يتغزلن فيه بالرجل من خلال كلمات رقيقة تُضمر أكثر مما تعلن، متسلحات بتطويع اللغة الحسانية السائدة في منطقة الصحراء، من دون أن يتجاوزن حدود الحشمة والوقار.
وتلجأ صحراويات إلى التغزّل بالرجل من دون أن يسمّينه، تعبيراً عن إعجابهن بشخصيته أو قوامه أو وسامته، غير أن أغلبهن لا يُفصحن عن هويتهن، بل تظل أشعارهن الغزلية "سرية" لا تخرج إلى العلن إلا في ما ندر، بسبب قيود المجتمع الصحراوي المحافظ.
وسُمي هذا النوع من الشعر "التبراع" لسببين، الأول أن هذا الشعر الصحراوي الخاص يكون "بارعاً" في صوغ الألفاظ وتنميقها، وأيضا لكون المرأة التي تلقي تلك الأشعار "تتبرع" بمشاعرها للرجل الذي تتغزل به، من دون أن تنتظر مقابلا لذلك، لكونها تخفي هويتها في الغالب.
وتنظم الصحراويات أشعارهن الغزلية بصفات من يعشقون من الرجال في شيء من السرية، لتنتشر "تبريعاتهن" في ما بينهن كصديقات داخل المجتمع الصحراوي، المعروف بمحافظته على التقاليد التي تحرّم على المرأة الجهر بمكنوناتها الداخلية.
تقول الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد" إن "لجوء شاعرات التبراع إلى طابع السرية والخصوصية يعود أساساً إلى أنهن يحتمين بذلك من نظرة مجتمع البيضان الصحراوي الذي يرفض الجهر بغزل المرأة للرجل".
وتشرح بأن "التبراع بدأ يخرج نسبياً من السر إلى العلن لعدة أسباب، منها تغير القيم التي طالت المجتمع الصحراوي، وأيضاً لجرأة صحراويات بالكشف عن هويتهن، فضلاً عن ظهور إطارات مدنية صحراوية تدافع عن هذا النوع من الغزل النسائي".
ولكسر حاجز الصمت و"السرية"، اختارت شاعرة من شاعرات "التبراع" تدعى خديجة لعبيدي، وتلقب بـ"الناها"، أن تظهر باسمها وصورتها، بخلاف ما هو معتاد عند "المتبرعات" في جنوب المغرب اللواتي يروّجن "تبريعاتهن" بأسماء مستعارة، خشية ردة فعل رافضة من المجتمع.
وأكدت لعبيدي أن "التبراع الذي تتميز به المرأة الصحراوية، وتتغزل من خلاله بالرجل، شعر مرفوض في المجتمع الصحراوي، الذي يعتبر أن من العيب والعار أن تتغزل المرأة بالرجل، فكيف لها أن تجهر به"، داعية إلى "خروج التبراع من رداء السرية إلى العلن".
وقالت شابة صحراوية لقبت نفسها بـ"نانة" لـ"العربي الجديد" إنها تنظم أشعار غزل عبارة عن "تبراع" في حق من تعجب به من الشبان، تمدح فيها صفاته المعنوية والسلوكية مثل الشجاعة والإقدام والجود والشهامة، ولا تميل إلى التغزل بالسمات الجسدية.
وأوضحت بأن أشعارها الغزلية لا تعرف بها سوى أقرب صديقاتها اللواتي يجمعهن عهد على عدم إفشاء أسرار بعضهن البعض، شارحةً أن "الأمر لا يتعلق بمكبوتات نفسية يفرغنها بقدر ما هو أسلوب نسائي تميزت به الصحراويات ويملأن به مجالسهن وسمرهن".
ويبدو أن أولى خطوات الاعتراف بـ"التبراع" بدأت تعرف طريقها إلى المجتمع المغربي، بعد أن أوجدت فعاليات مدنية جمعية صحراوية متخصصة في التعريف بـ"التبراع" ونشره، كما بدأت تُنظم ندوات ولقاءات حوله بغية إخراجه من الظل إلى الضوء.