مع اقتراب نهار يوم عرفة الماضي، من الزوال، هرع العديد من الأطفال إلى مسجد الحي مسرعين.
لم يكن الهدف هو الصلاة، بل تناول طعام الإفطار، الذي تبرع به أحد المحسنين، المقيمين في الخليج.
غالبية الأطفال -باعتقادي- لم يكونوا من الفقراء، ولا من الجائعين، بل ينتمون لعائلات متوسطة الحال، وأتصور أنهم تعاملوا مع الأمر، كـ"رحلة"، أو "حدث"، يكسر الملل الذي يعانون منه.
قدّرت ما أُنفق على هذا الإفطار، بنحو 500 دولار على الأقل، وتساءلت: ما الفائدة التي عادت على المجتمع، أو الفقراء، من هكذا إفطار، هل أشبع جوعا، أم هل ستر عائلة أذلها الفقر، أو رسم الابتسامة على وجوه محتاجة؟
تُرى، لو دُفع هذا المبلغ لعائلة فقيرة أو اثنتين، ألم يكن أجدى وأنفع؟
هذا الحادث، دفعني لأتساءل أكثر: ما تعريفنا كعرب ومسلمين، لفعل الخير؟ لماذا يحوم فقط حول "إطعام الطعام"؟
فلو قرر أي شخص منا، مثلاً، تقديم صدقة ما، فإنه سيلجأ بشكل تلقائي، إلى تقديم الطعام حصرا.
قد يجيب البعض، ويقول: وما الضير؟ أليس إشباع البطون الجائعة، من أهم الأولويات.
وألم يُجب النبي عليه السلام، رجلا سأله عن خير الإسلامِ؟" بقوله:" تُطعِمُ الطعامَ، وتَقْرَأُ السلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لم تَعرِف"، هذا صحيح، ولا خلاف عليه، لكنّ ما أقصده، هو طريقة تقديم الطعام، فهي في الغالب، لا تسد رمق المتضورين من قلة الزاد.
فإقامة الولائم العشوائية، التي يقبل عليها جموع، لا يعرف بالضبط إن كانت جائعة أم "شرهة"، وتقديم وجبة واحدة لأسرة -ربما مرة في العام- قد تكون بحاجة لها أو قد لا تكون، لن يساعد قيد أنملة في حل مشكلة الفقر والجوع.
إننا لو جمعنا الأموال التي تنفق على تقديم المساعدات الغذائية "العشوائية"، سواء من قبل الأفراد أو الجمعيات، سنجدها كبيرة للغاية، وبإمكانها إحداث فرق كبير في حياة الكثير من الأسر.
وإذا كان البعض يصر على "تقديم الطعام"، فله ذلك، فتحقيق الأمن الغذائي، أمر أساسي للإنسان، ويساعده على تسيير أمور حياته الأخرى، خاصة في ظل المتطلبات الحياتية الكثيرة في عصرنا الحالي.
لكنّ عليه أن يغير طريقة تقديمه، فبدلا من الولائم، وذبح المواشي وتوزيع لحومها عشوائيا، بالإمكان كفالة أسر الفقراء والمحتاجين "غذائيا"، عن طريق تقديم أطعمة لهم بشكل منتظم، وسري، مراعاة لمشاعرهم.
يقول أبو هريرة:" شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الغني ويترك الفقير".
اقرأ أيضاً: صورة للبنك الدولي تبرز الفوارق بين الأغنياء والفقراء