ضمن قالب مسرحي يتفاعل فيه مع الجمهور، يُقدّم الراوي الجزائري صدّيق مسلم، المعروف باسم صدّيق ماحي (1960)، حكاياته التي يستلهمها من التراث الشعبي الجزائري، معتمداً على ذاكرة الطفولة، مواصلاً بذلك إحياء فنّ "القوّال" الذي كان تقليداً شعبياً منتشراً في العديد من المدُن الجزائرية، ومنها مسقط رأسه؛ بلعبّاس غرب البلاد.
يُعرف ماحي باسم "الراوي المتجوّل"؛ فهو يتنقّل في مدينةٍ إلى أُخرى ليُقدّم حكاياته تلك في الشارع أمام المتفرّجين مباشرةً، بهدف "إعادة إحياء التراث الشفوي، وجعله مادّةً للفرجة كما كان في السابق"، كما قال في غير ما مناسبة.
وإلى جانب عروضه الحكائية تلك، نشّط ماحي برامج إذاعيةً وقدّم العديد من الورشات التدريبية في الجزائر وخارجها، كما ترجم عدّة نصوص من التراث الحكائي الجزائري، من بينها نصوصٌ للكاتب والباحث الجزائري مولود معمري.
مؤخّراً، صدر لماحي كتابٌ جديد عن "دار القدس العربي" بعنوان "مولى ومولى وحكايات أُخرى" جمع فيه عدداً من الحكايات الشعبية الجزائرية التي أعاد صياغتها؛ حيثُ يُقدّمها بالأسلوب نفسه الذي يعتمده في حكي قصصه شفاهةً، ومن ذلك وضع مقدّمةٍ وخاتمة تتكرّران مع كلّ النصوص.
يتضمّن الكتاب ثلاث حكايات (باللغتين العربية والفرنسية) مستلهمة من التراث الشعبي الشفهي، لكنّ ماحي يطوّعها بحيث يجعل منها نصوصاً راهنة تُناسب العصر الحالي وتطرح أسئلته، مع حضورٍ للجانب الإرشادي دون أن يُخلّ بجماليات النص، وهو في ذلك إنما ينسجم مع طبيعة الحكاية الشعبية نفسها التي تجمع في أهدافها بين التثقيف والتسلية.
في الحكاية الأولى "مولى ومولى" التي جمع أجزاء منها خلال زياراته إلى منطقة الأهقار في الجنوب الجزائري، يستعيد ماحي حكاية ملكة الطوارق تين هينان التي حيكت حولها الكثير من الأساطير الشعبية، مبرزاً مكانة المرأة في المجتمع الترقي وقيم التضامن والتآزر فيه، كما يحضر في القصّة الطائرُ الذي يرمز إلى الحرية التي تُعدّ قيمةً أساسية في المجتمع الأمازيغي.
يحضر الطائر في الحكايتين الأُخريين أيضاً؛ ففي الثانية، والتي تحمل عنوان "الطير منقاره أخضر"، يسرد ماحي حكايةً من عالم الغاب والطيور العجيبة التي قد تكون مصدر خطرٍ للإنسان، كما قد تأخذ بيده عند الحاجة، وفي الثالثة التي تحمل عنوان "النورس"، يروي حكاية أخوين يستولي أكبرهما على كلّ الميراث بعد وفاة والدهما، ويدفع بأخيه الأصغر إلى ركوب البحر بحثاُ عن حياة أفضل.