وخارج الحدث نفسه، وتداعياته، فإن مداليله، تؤكد أن الأزمة الأميركية الإيرانية بات بإمكانها، أن تغادر مضيق هرمز الملتهب وبحر العرب، وتنفجر في أي ممر مائي في العالم. وإذا كان الدور قد جاء اليوم على مضيق جبل طارق، فإنه من غير المستبعد أن ترتحل الأزمة في مستقبل الأيام إلى مضائق أخرى، مثل ممر قناة السويس أو قناة بنما، وغيرها من الممرات المائية، في سعي أميركي محموم لتصفير صادرات إيران من النفط، ومطاردة الناقلات التي تحمل بضاعتها.
وهذا يعني أحد شيئين: الأول، أن الدول البعيدة جغرافياً عن منطقة الخليج، لم تعد بمنجاة من تداعيات الأزمة الراهنة، ففي أي لحظة من انتشار بقعة زيت الصراع، ستصبح هي الأخرى جزءاً من الأزمات والحروب المحتملة.
ثانياً: أن الجغرافيا السياسية وتحالفاتها إقليمياً ودولياً، هي الحاسمة اليوم في صراع موازين القوى، وربما، سيكون تحصيل حاصل، أن تجد دول نفسها محشورة في مصيدة صراعات لا تعنيها مطلقاً، كم هو الحال مع سفينة جبل طارق. فلم يعد أمام إسبانيا التي تقع السفينة على بعد رمية واحدة منها، تجاهل ما يقع من حدث ساخن قرب مياهها، أو ما تعتبره مياهها وحقوقها التاريخية على الصخرة.
ولن يستطيع المغرب أن يدير ظهره للحادث الذي يكبر مثل كرة ثلج، فمن طنجة، وفي الأجواء الصافية يمكن النظر بوضوح ليس إلى صخرة جبل طارق والسفن العابرة مثل سيارات في طريق سريع، ولكن يمكن تبين معالم الضفة الإسبانية من المتوسط. دون إغفال أن الوثائق التاريخية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أحقية المغرب على صخرته، التي تحمل اسم فاتح الأندلس طارق بن زياد.
الأجراس الآن تقرع في أمكنة قد تبدو بعيدة عن مياه بحر العرب، لكنها تجعل صانع القرار السياسي في كل من المغرب وإسبانيا، ينتصب متأهباً لاحتمالات لم تكن في الحسبان.
بينما الحقيقة التاريخية تشير إلى أن المغرب وشمال أفريقيا عاشا في خضم وقائع الصراع الدولي في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين؛ حالات شبيهة، حينما جاءت السفن الحربية الألمانية والفرنسية والهولندية ثم البريطانية والأميركية، بمدافع البارود، لتتحول من قوات حماية إلى قوة احتلال.
كانت وقتها الحروب تبدو، شأناً أوروبياً خالصاً، لكن توالي "الإنزالات" البحرية في مراسي شمال المغرب وقصف ميناء آنفا، في الدار البيضاء، وضع المغرب في صلب حرب مدمرة.
يستفاد من حادث سفينة غريس 1 أن أنياب الصراعات السياسية قادرة على إغراق الجغرافيات البعيدة والمعابر المائية الآمنة وجرها إلى تخوم توترات عالمية وخيمة العواقب.
قرون استشعار الخطر على أشدها اليوم في المغرب وإسبانيا؛ فهل يخرجان من هذه الأحبولة بذكاء جيوسياسي، أم سيجرهما تيار الصراع الجارف بين أميركا وإيران إلى شباكه؟