بعد مرور ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفييتي وما تلاه من انهيار قطاع صناعة الطائرات المدنية، تبحث روسيا عن استعادة حصتها بهذه السوق العالمية الواعدة من خلال تصميم وإنتاج أطرزة جديدة من الطائرات أملاً في منافسة الشركات الأجنبية المصنعة للطائرات.
وفي هذا الإطار، تراهن روسيا على طائرة "إم إس-21" متوسطة المدى التي نفذت أول تحليق لها نهاية الأسبوع الماضي، لبدء توريدها إلى شركات طيران أجنبية، وسط آمال روسية بمنافسة العلامات التجارية التي تستحوذ على السوق العالمي مثل "بوينغ" و"إيرباص" وكسر حصار العقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وحسب خبراء طيران فإن منافسة الطائرة الجديدة ستكون في الطائرات متوسطة المدى، إلا أنهم أكدوا على وجود العديد من التحديات أمام الدب الروسي في هذا المجال.
تحديات التسويق
تتميز طائرة "إم إس-21" الجديدة بمواصفات راحة عالية مثل مقاعد عريضة وممر واسع، مما سيزيد من راحة الركاب وسيقلص الوقت المطلوب لصعودهم إلى الطائرة ومغادرتها، بالإضافة إلى حلول ابتكارية ومواصفات طيران ديناميكية تتيح لها التحليق بسرعات أعلى واستهلاك وقود أقل بعض الشيء مقارنة بمنافساتها.
ويضم برنامج إنتاج الطائرة في الوقت الحالي طرازي "إم إس-21-200" ويتسع لـ 132 راكبا و"إم إس-21-300" الذي يضم 163 مقعدا، مما يضعها ضمن القطاع الأكثر إقبالا في السوق العالمية.
ومع ذلك، يرى الرئيس التنفيذي لوكالة "آفيا بورت" المتخصصة في شؤون الطيران، أوليغ بانتيلييف، أن تسويق طائرات "إم إس-21" لشركات الطيران الأجنبية الرائدة صعب في الوقت الحالي، ولكن قد تحظى الطائرة الجديدة بإقبال في حال نجاح تشغيلها من قبل شركات الطيران الروسية، وفي مقدمتها الناقل القومي الروسي "أيروفلوت".
ويقول بانتيلييف في حديثه لـ "العربي الجديد": "تستهدف شركة "إركوت" المصممة لـ"إم إس-21" سوق الطائرات متوسطة المدى ضيقة البدن، وهو أكبر قطاعات سوق الطائرات وأشدها منافسة، وسيتم توريد أكثر من 20 ألف طائرة جديدة فيه خلال السنوات الـ20 المقبلة".
وحول ظروف المنافسة في هذه السوق الضخمة، يضيف: هذه السوق منقسمة حاليا بين شركتي "إيرباص" و"بوينغ"، بينما تعتبر طائرة "إم إس-21" أكثر المنتجات ابتكارا في فئتها. إلا أن كبرى شركات الطيران العالمية تخشى من الابتكار، متذكرة مشكلات طائرتي "أيرباص-380" و"بوينغ-787"، ما يعني أن تسويقها لها سيكون صعبا للغاية ويكاد يكون مستحيلا في الوقت الحالي، بل يجب الإثبات أولا أن الحلول الابتكارية كانت ناجحة.
من جانب آخر، يقلل الخبير الروسي في شؤون الطيران من التأثير المباشر للعقوبات الغربية على صناعة الطائرات الروسية، قائلا: تبلغ حصة المصنعين والموردين الأجانب في "إم إس-21" نحو 60 %، وأكبرهم شركة "برات آند ويتني" الأميركية للمحركات، ولكن الطائرة لم تواجه حتى الآن أي مشكلات تُذكر ناجمة عن رفض أي شريك الوفاء بالتزاماته.
دروس "سوبرجيت 100"
ليست "إم إس-21" أول طائرة مدنية يتم تصميمها وإنتاجها في روسيا ما بعد السوفييتية، إذ صممت شركة "طائرات سوخوي المدنية" الطائرة الإقليمية "سوخوي سوبرجيت 100" بمشاركة عدد من الشركات الأجنبية، ولكنها لم تحظ بإقبال واسع بين شركات الطيران.
وبحسب صحيفة "فيدوموستي" الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، فإن كل طائرة "سوبرجيت 100" ضمن أساطيل شركات الطيران الروسية تحلق في المتوسط من 3 إلى 3.7 ساعات فقط يوميا، أو من 5 إلى 7 ساعات بشركة "إنترجيت" المكسيكية التي تعتبر أكبر مشغل أجنبي لهذه الطائرة. وأرجعت مصادر الصحيفة ضعف استخدام الطائرات من هذا الطراز إلى صعوبة الحصول على قطع غيار لها، بالإضافة إلى غلاء وضرورة انتظار هذه القطع.
ويرى بانتيلييف أن مشكلات "سوبرجيت 100" ناجمة عن ضعف تمويل المشروع وعدم إقامة مخازن لقطع غيار بكافة مطارات تشغيلها، ويقول في هذا السياق: "كان الاتحاد السوفييتي يملأ المخازن بالمطارات بقطع الغيار اللازمة، ولكن الشركة المصممة للطائرة لم تتوفر لديها إمكانيات لذلك".
ويذكّر بأن الحكومة الروسية وضعت آلية للمساهمة في إقامة مثل هذه المخازن واعتمدت كافة الوثائق اللازمة في عامي 2015 و2016، ولكن مشروع "سوبرجيت 100" لم يستفد منها بشكل كامل بعد، قبل أن يضيف: "بدأ أداء طائرة "سوخوي سوبرجيت 100" يتحسن في العام الماضي، ومن مؤشرات على ذلك نجاح تشغيلها في المكسيك وبدء توريدها إلى شركة "سيتي جيت" الأيرلندية".
ويتابع: ازدادت وتيرة إنتاج طائرات "سوبرجيت" أيضا، ليبلغ 11 طائرة منذ بداية العام. هذا الرقم، بالطبع، أقل كثيرا من "أيرباص-320" أو "بوينغ-737"، ولكنه يقارب معدلات إنتاج شركة "بومباردييه" الكندية.
وبدأ إنتاج طائرات "سوخوي سوبرجيت 100" في عام 2011، ويبلغ مداها 4400 كيلومتر، وهي تتسع لـ 98 راكبا. وبحلول شهر أبريل/نيسان الماضي، تم إنتاج 122 طائرة من هذا الطراز، يتم تشغيل 65 منها بأساطيل شركات الطيران الروسية، وفي مقدمتها "أيروفلوت" بواقع 30 طائرة.
تفوق الطيران العسكري
على عكس قطاع الطائرات المدنية الذي شهد انهيارا كاملا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، لا تزال روسيا بلدا رائدا على مستوى العالم في صناعة وتصدير الطائرات الحربية، وأبرزها مقاتلات "ميغ-29" و"سوخوي-30 و 35" وطائرة التدريب والقتال "ياك-130"، إذ تجاوزت صادراتها ألف طائرة حربية خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2014، بينما كان للهند والصين النصيب الأكبر من العقود. كما شهدت الطائرات العسكرية الروسية إقبالاً من دول المنطقة العربية.
وتعتبر "سوخوي 35"، الطائرة المقاتلة الأحدث من إنتاج شركة "سوخوي" الروسية. وحول أسباب تباين أداء قطاعي صناعة الطائرات الحربية والمدنية، يقول خبير الطيران بانتيلييف: "بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تمكنت بعض المصانع العسكرية من إيجاد أسواق لصادراتها، مما أتاح لها النجاة والحفاظ على كفاءتها، بينما راهن مصنعو المعدات المدنية على السوق الداخلية التي انكمشت كثيرا".
ويوضح أن "قوانين السوق قاسية، ومَن لا يلبي متطلبات المستهلك يفقد مواقعه. الشركات التي صممت الطائرات السوفييتية الأكثر شعبية وكانت تسيطر على ربع السوق العالمية في الثمانينيات، فقدت 90 % من حصتها في غضون عشر سنوات فقط".
ومع ذلك، يتوقع بانتيلييف نجاحا لشركتي "طائرات سوخوي المدنية" و"إركوت"، مشيرا إلى أن شركتهما الأم "سوخوي" المصنعة والمصدرة لمقاتلات "سوخوي-27" و"سوخوي-30" لها خبرة في التعامل مع المشترين الأجانب.
اقــرأ أيضاً
تحديات التسويق
تتميز طائرة "إم إس-21" الجديدة بمواصفات راحة عالية مثل مقاعد عريضة وممر واسع، مما سيزيد من راحة الركاب وسيقلص الوقت المطلوب لصعودهم إلى الطائرة ومغادرتها، بالإضافة إلى حلول ابتكارية ومواصفات طيران ديناميكية تتيح لها التحليق بسرعات أعلى واستهلاك وقود أقل بعض الشيء مقارنة بمنافساتها.
ويضم برنامج إنتاج الطائرة في الوقت الحالي طرازي "إم إس-21-200" ويتسع لـ 132 راكبا و"إم إس-21-300" الذي يضم 163 مقعدا، مما يضعها ضمن القطاع الأكثر إقبالا في السوق العالمية.
ومع ذلك، يرى الرئيس التنفيذي لوكالة "آفيا بورت" المتخصصة في شؤون الطيران، أوليغ بانتيلييف، أن تسويق طائرات "إم إس-21" لشركات الطيران الأجنبية الرائدة صعب في الوقت الحالي، ولكن قد تحظى الطائرة الجديدة بإقبال في حال نجاح تشغيلها من قبل شركات الطيران الروسية، وفي مقدمتها الناقل القومي الروسي "أيروفلوت".
ويقول بانتيلييف في حديثه لـ "العربي الجديد": "تستهدف شركة "إركوت" المصممة لـ"إم إس-21" سوق الطائرات متوسطة المدى ضيقة البدن، وهو أكبر قطاعات سوق الطائرات وأشدها منافسة، وسيتم توريد أكثر من 20 ألف طائرة جديدة فيه خلال السنوات الـ20 المقبلة".
وحول ظروف المنافسة في هذه السوق الضخمة، يضيف: هذه السوق منقسمة حاليا بين شركتي "إيرباص" و"بوينغ"، بينما تعتبر طائرة "إم إس-21" أكثر المنتجات ابتكارا في فئتها. إلا أن كبرى شركات الطيران العالمية تخشى من الابتكار، متذكرة مشكلات طائرتي "أيرباص-380" و"بوينغ-787"، ما يعني أن تسويقها لها سيكون صعبا للغاية ويكاد يكون مستحيلا في الوقت الحالي، بل يجب الإثبات أولا أن الحلول الابتكارية كانت ناجحة.
من جانب آخر، يقلل الخبير الروسي في شؤون الطيران من التأثير المباشر للعقوبات الغربية على صناعة الطائرات الروسية، قائلا: تبلغ حصة المصنعين والموردين الأجانب في "إم إس-21" نحو 60 %، وأكبرهم شركة "برات آند ويتني" الأميركية للمحركات، ولكن الطائرة لم تواجه حتى الآن أي مشكلات تُذكر ناجمة عن رفض أي شريك الوفاء بالتزاماته.
دروس "سوبرجيت 100"
ليست "إم إس-21" أول طائرة مدنية يتم تصميمها وإنتاجها في روسيا ما بعد السوفييتية، إذ صممت شركة "طائرات سوخوي المدنية" الطائرة الإقليمية "سوخوي سوبرجيت 100" بمشاركة عدد من الشركات الأجنبية، ولكنها لم تحظ بإقبال واسع بين شركات الطيران.
وبحسب صحيفة "فيدوموستي" الروسية المتخصصة في الشأن الاقتصادي، فإن كل طائرة "سوبرجيت 100" ضمن أساطيل شركات الطيران الروسية تحلق في المتوسط من 3 إلى 3.7 ساعات فقط يوميا، أو من 5 إلى 7 ساعات بشركة "إنترجيت" المكسيكية التي تعتبر أكبر مشغل أجنبي لهذه الطائرة. وأرجعت مصادر الصحيفة ضعف استخدام الطائرات من هذا الطراز إلى صعوبة الحصول على قطع غيار لها، بالإضافة إلى غلاء وضرورة انتظار هذه القطع.
ويرى بانتيلييف أن مشكلات "سوبرجيت 100" ناجمة عن ضعف تمويل المشروع وعدم إقامة مخازن لقطع غيار بكافة مطارات تشغيلها، ويقول في هذا السياق: "كان الاتحاد السوفييتي يملأ المخازن بالمطارات بقطع الغيار اللازمة، ولكن الشركة المصممة للطائرة لم تتوفر لديها إمكانيات لذلك".
ويذكّر بأن الحكومة الروسية وضعت آلية للمساهمة في إقامة مثل هذه المخازن واعتمدت كافة الوثائق اللازمة في عامي 2015 و2016، ولكن مشروع "سوبرجيت 100" لم يستفد منها بشكل كامل بعد، قبل أن يضيف: "بدأ أداء طائرة "سوخوي سوبرجيت 100" يتحسن في العام الماضي، ومن مؤشرات على ذلك نجاح تشغيلها في المكسيك وبدء توريدها إلى شركة "سيتي جيت" الأيرلندية".
ويتابع: ازدادت وتيرة إنتاج طائرات "سوبرجيت" أيضا، ليبلغ 11 طائرة منذ بداية العام. هذا الرقم، بالطبع، أقل كثيرا من "أيرباص-320" أو "بوينغ-737"، ولكنه يقارب معدلات إنتاج شركة "بومباردييه" الكندية.
وبدأ إنتاج طائرات "سوخوي سوبرجيت 100" في عام 2011، ويبلغ مداها 4400 كيلومتر، وهي تتسع لـ 98 راكبا. وبحلول شهر أبريل/نيسان الماضي، تم إنتاج 122 طائرة من هذا الطراز، يتم تشغيل 65 منها بأساطيل شركات الطيران الروسية، وفي مقدمتها "أيروفلوت" بواقع 30 طائرة.
تفوق الطيران العسكري
على عكس قطاع الطائرات المدنية الذي شهد انهيارا كاملا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، لا تزال روسيا بلدا رائدا على مستوى العالم في صناعة وتصدير الطائرات الحربية، وأبرزها مقاتلات "ميغ-29" و"سوخوي-30 و 35" وطائرة التدريب والقتال "ياك-130"، إذ تجاوزت صادراتها ألف طائرة حربية خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2014، بينما كان للهند والصين النصيب الأكبر من العقود. كما شهدت الطائرات العسكرية الروسية إقبالاً من دول المنطقة العربية.
وتعتبر "سوخوي 35"، الطائرة المقاتلة الأحدث من إنتاج شركة "سوخوي" الروسية. وحول أسباب تباين أداء قطاعي صناعة الطائرات الحربية والمدنية، يقول خبير الطيران بانتيلييف: "بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، تمكنت بعض المصانع العسكرية من إيجاد أسواق لصادراتها، مما أتاح لها النجاة والحفاظ على كفاءتها، بينما راهن مصنعو المعدات المدنية على السوق الداخلية التي انكمشت كثيرا".
ويوضح أن "قوانين السوق قاسية، ومَن لا يلبي متطلبات المستهلك يفقد مواقعه. الشركات التي صممت الطائرات السوفييتية الأكثر شعبية وكانت تسيطر على ربع السوق العالمية في الثمانينيات، فقدت 90 % من حصتها في غضون عشر سنوات فقط".
ومع ذلك، يتوقع بانتيلييف نجاحا لشركتي "طائرات سوخوي المدنية" و"إركوت"، مشيرا إلى أن شركتهما الأم "سوخوي" المصنعة والمصدرة لمقاتلات "سوخوي-27" و"سوخوي-30" لها خبرة في التعامل مع المشترين الأجانب.