يفرض تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، (داعش)، اهتماماً كبيراً على الكتّاب والباحثين لدراسته ومحاولة فهم آليات عمله، وسر انتشاره السريع. ويستند كثيرون إلى ما يكتبه منظّرو التنظيم أو المقربون منه، وخاصة الكتاب الموسوم بـ "إدارة التوحّش" بتوقيع أبو بكر ناجي، وكتاب "المذكرة الاستراتيجية"، بتوقيع عبد الله بن محمد. ومن أصحاب الجهد المميّز على هذا الصعيد، الصحافي البريطاني، باتريك كوكبيرن، في كتابه "داعش عودة الجهاديين"، الصادر حديثاً عن دار الساقي، بترجمة لميشلين حبيب.
كوكبيرن، مراسل صحيفة الاندبندنت البريطانية في بلاد دجلة والفرات، مؤلف ثلاثة كتب عن العراق الحديث، ومذكّرات الفتى المكسور وشياطين هنري والحائز على لقب "المعلّق الأجنبي للعام"، سنة 2013، أراد تتبّع انبعاث داعش السريع جداً على أكتاف الغضب المتزايد للسنّة في العراق، وانضواء المعارضة السورية تحت عباءة الحركات الجهادية في سورية.
يقول كوكبيرن: "تريد داعش قتال الشيعة بدلاً من محاورتهم. وهي تتقن التلاعب بالخوف والتخطيط لنشره من خلال أشرطة الفيديو التي نشرتها لمقاتليها وهم يقومون بإعدام الجنود الشيعة وسائقي السيارات في العراق". ويوثّق الأحداث التي أدّت إلى استيلاء هؤلاء الداعشيين على مناطق شاسعة من العراق وسورية، لافتاً إلى أن التنظيمات المسلحة لم تكن تشكّل قوةً مهمة على الأرض، رغم قدرتها على تنظيم اعتداءات مذهلة، مثل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. لكن هذا كلّه تغيّر اليوم، وذلك عن طريق استغلالهم أخطاء حروب الغرب في أفغانستان والعراق وليبيا، إضافة إلى التقديرات الخاطئة في ما يتعلق بسورية وثورات الربيع العربي.
اعتبر كوكبيرن في مقدمة كتابه، أن ظهور "تنظيم الدولة" في العراق استفاد كثيراً من مثال الانتفاضة السنية في سورية (ضد نظام بشار)، فقد دفع اضطهاد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، للسنة في العراق، وخوف هؤلاء من الحكومة وميليشيات النظام السوري والأكراد، إلى الاعتقاد أن داعش قد لا تكون أسوأ ما يمكن التعامل معه. ويقول إن السعوديين لم يدخروا جهداً في الإنفاق من ثرواتهم الطائلة لنشر الفتنة الطائفية، مروجين بين السنّة أن "الشيعة" خطر وجودي داهم على طائفتهم. كل ذلك أدّى إلى انضمام الفتيان السنة بالمئات إلى تنظيم داعش في سورية والعراق. وهو ما أتاح للتنظيم، الذي ورث بعض بنى القاعدة، أن يتوسع على نحو فاق كل التوقعات.
جاء الكتاب على شكل تقرير صحافي ميداني يتبع منهجية تاريخية وواقعية في مقاربة الأحداث وخلفياتها، من مسألة التوافق الأميركي/ الإيراني على استبدال نوري المالكي برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، على اعتبار أن الأميركيين والإيرانيين يتخاصمون في العلن ويتفقون في الخفاء، وإلى مسألة تفوّق داعش أبو بكر البغدادي على قاعدة بن لادن.
فالمنطقة التي تسيطر عليها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق وسورية أكبر مئات المرات من أي شيء سبق أن سيطر عليه أسامة بن لادن في حياته. داعش أكبر، وأفضل تنظيماً، ومتقدمة عسكرياً عن أي جماعات جهادية سابقة. "وقد أظهر جهاديّوها للعالم من العنف ما يكفي لدرجة أن يخرج أيمن الظواهري بتصريحات تشجب الجماعة.
يحاول كوكبيرن في كتابه وصف اشتغال مجموعة متداخلة من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على تهيئة الظروف وتمهيد الأرضية لصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. فهناك أولاً ما تركه الغزو الأميركي والغربي للعراق في العام 2003 من أقلية سنية محرومة ومتوترة. ثم، ثانياً، ما صنعته الرعاية الغربية للتمرد السوري من ميدان مثالي لنشاط محاربي "أبو بكر البغدادي" المتعطشين للدماء. ويبيّن أن أجهزة الاستخبارات الغربية كانت متورطة بكثافة عند كل مستوى، لكنها كانت جاهلة مع ذلك بما كان يحدث فعلاً على ما يبدو.
كذلك يفرد الكاتب المراسل مساحة خاصة لتحليل دور الإعلام في صنع الصورة والتأثير بالقاعدة الشعبية. إنّ مهمة مراسل حرب تسيّر ميلودراما الأحداث/ القصة وتجذب الجمهور على قاعدة "العنف يجذب جمهوراً أكبر". ويبدو أنّ تراجع الإعلام الغربي عن تغطية أخبار البلاد أمر استفادت منه أميركا والحكومات الغربية في التقليل من أهمية فشل "الحرب ضدّ الإرهاب".
*كاتبة لبنانية
يقول كوكبيرن: "تريد داعش قتال الشيعة بدلاً من محاورتهم. وهي تتقن التلاعب بالخوف والتخطيط لنشره من خلال أشرطة الفيديو التي نشرتها لمقاتليها وهم يقومون بإعدام الجنود الشيعة وسائقي السيارات في العراق". ويوثّق الأحداث التي أدّت إلى استيلاء هؤلاء الداعشيين على مناطق شاسعة من العراق وسورية، لافتاً إلى أن التنظيمات المسلحة لم تكن تشكّل قوةً مهمة على الأرض، رغم قدرتها على تنظيم اعتداءات مذهلة، مثل أحداث 11 سبتمبر/ أيلول. لكن هذا كلّه تغيّر اليوم، وذلك عن طريق استغلالهم أخطاء حروب الغرب في أفغانستان والعراق وليبيا، إضافة إلى التقديرات الخاطئة في ما يتعلق بسورية وثورات الربيع العربي.
اعتبر كوكبيرن في مقدمة كتابه، أن ظهور "تنظيم الدولة" في العراق استفاد كثيراً من مثال الانتفاضة السنية في سورية (ضد نظام بشار)، فقد دفع اضطهاد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، للسنة في العراق، وخوف هؤلاء من الحكومة وميليشيات النظام السوري والأكراد، إلى الاعتقاد أن داعش قد لا تكون أسوأ ما يمكن التعامل معه. ويقول إن السعوديين لم يدخروا جهداً في الإنفاق من ثرواتهم الطائلة لنشر الفتنة الطائفية، مروجين بين السنّة أن "الشيعة" خطر وجودي داهم على طائفتهم. كل ذلك أدّى إلى انضمام الفتيان السنة بالمئات إلى تنظيم داعش في سورية والعراق. وهو ما أتاح للتنظيم، الذي ورث بعض بنى القاعدة، أن يتوسع على نحو فاق كل التوقعات.
جاء الكتاب على شكل تقرير صحافي ميداني يتبع منهجية تاريخية وواقعية في مقاربة الأحداث وخلفياتها، من مسألة التوافق الأميركي/ الإيراني على استبدال نوري المالكي برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، على اعتبار أن الأميركيين والإيرانيين يتخاصمون في العلن ويتفقون في الخفاء، وإلى مسألة تفوّق داعش أبو بكر البغدادي على قاعدة بن لادن.
فالمنطقة التي تسيطر عليها الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق وسورية أكبر مئات المرات من أي شيء سبق أن سيطر عليه أسامة بن لادن في حياته. داعش أكبر، وأفضل تنظيماً، ومتقدمة عسكرياً عن أي جماعات جهادية سابقة. "وقد أظهر جهاديّوها للعالم من العنف ما يكفي لدرجة أن يخرج أيمن الظواهري بتصريحات تشجب الجماعة.
يحاول كوكبيرن في كتابه وصف اشتغال مجموعة متداخلة من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على تهيئة الظروف وتمهيد الأرضية لصعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. فهناك أولاً ما تركه الغزو الأميركي والغربي للعراق في العام 2003 من أقلية سنية محرومة ومتوترة. ثم، ثانياً، ما صنعته الرعاية الغربية للتمرد السوري من ميدان مثالي لنشاط محاربي "أبو بكر البغدادي" المتعطشين للدماء. ويبيّن أن أجهزة الاستخبارات الغربية كانت متورطة بكثافة عند كل مستوى، لكنها كانت جاهلة مع ذلك بما كان يحدث فعلاً على ما يبدو.
كذلك يفرد الكاتب المراسل مساحة خاصة لتحليل دور الإعلام في صنع الصورة والتأثير بالقاعدة الشعبية. إنّ مهمة مراسل حرب تسيّر ميلودراما الأحداث/ القصة وتجذب الجمهور على قاعدة "العنف يجذب جمهوراً أكبر". ويبدو أنّ تراجع الإعلام الغربي عن تغطية أخبار البلاد أمر استفادت منه أميركا والحكومات الغربية في التقليل من أهمية فشل "الحرب ضدّ الإرهاب".
*كاتبة لبنانية