أثارت مسألة بيع فرنسا 24 طائرة "رافال" مقاتلة لمصر، اهتماماً غير مسبوق في فرنسا، كونها المرة الأولى التي يتم فيها بيع مقاتلات من هذا النوع إلى الخارج منذ إطلاقها قبل 30 عاماً.
ردود الفعل جاءت مختلفة بعض الشيء على الساحة الفرنسية، لكن الإجماع برز بين اليمين واليسار على الإشادة بالاتفاق.
وركّزت الصحف على الجانب "التاريخي" للحدث، إذ اعتبرت صحيفة "لي زيكو" الاقتصادية أن "الصفقة التاريخية تعيد إطلاق مقاتلات رافال"، مشيرة إلى أن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان "سيزور القاهرة الإثنين المقبل لتوقيع العقد".
وكان لافتاً تركيز عدة وسائل إعلام على "أن مقاتلات رافال التي تُعتبر رأس حربة الدفاع الفرنسي، لم تجد شارياً أجنبياً لها منذ ثلاثين سنة على إطلاقها".
ونقلت صحيفة "لو باريزيان" عن وزيرة الدفاع السابقة ميشيل اليوماري، أن "هذه الصفقة قد تُحرّك مشاريع بيع مماثلة مع قطر والهند".
اليوماري، التي كانت حاولت قد بيع طائرة "رافال" إلى عشرات الدول، لم تستبعد قيام الولايات المتحدة بإفشال الصفقة، "وهو ما حصل فعلاً خلال المفاوضات مع المغرب والبرازيل، حين تدخل الأميركيون من أجل كسر الأسعار"، كما جاء على لسان الوزيرة السابقة.
وسائل الإعلام الفرنسية ركزت أيضاً على الجانب المضيء لعملية الاتفاق، معتبرة "أن هذا النجاح يأتي بعد 30 عاماً من الفشل".
وأشارت صحيفة "لوموند" إلى أن "العملية جرت بسرعة وأن كل شيء تم إنجازه بين الفترة التي زار فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي باريس في الخريف الماضي، واللحظة التي عبّر فيها الرئيس المصري لوزير الدفاع الفرنسي عن حاجة مصر إلى التسلح".
ونقلت "لوموند" عن مصادر فرنسية قريبة من الملف قولها: "كنا جالسين أمام محاورين يعرفون ماذا يريدون، وكان الرئيس المصري شخصياً يدير المحادثات، وكان مساعده الجنرال محمد العصار برفقته".
وأضاف المصدر الفرنسي المقرب من إدارة ملف الاتفاق، "أنه تم الاجتماع مع رؤساء الشركات، اريك ترابييه عن شركة "داسو"، وهيرفيه غينو عن "دي سي إن إس"، وأنطوان بوفيه، من أجل بلورة العقد أكثر".
وحول الجزء المالي من الصفقة، فقد تمت عملية "إخراج" الاتفاق الأسبوع الماضي في باريس، بحسب المصدر الفرنسي، الذي لفت إلى أن "الكل في الطرف الفرنسي قام بواجبه على أكمل وجه، فالصناعيون ركّزوا جميعاً على العرض، وكان السياسيون بدورهم يفاوضون على الخطوط العريضة للاتفاق".
وتشير الصحيفة إلى أن الطلب المصري كان غير متوقع، وأن وزير الدفاع الفرنسي الذي تربطه علاقات قوية مع الرئيس المصري، "تباحث معه بملف الإرهاب والإسلام المتشدد".
وكشفت الصحيفة "أن الأساس تم التوصل إليه في 25 يناير/كانون الثاني في الرياض، في اللقاء المغلق بين السيسي ونظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، خلال تواجدهما لتقديم التعازي بوفاة الملك عبدالله بن سعود". وتعمّد الرئيس الفرنسي الإعلان بنفسه عن الاتفاقية، مشيراً إلى "أنها هامة جداً وستسمح لمصر التحرك من أجل أمنها واستقرارها في المنطقة".
واعتبر عدد من الصناعيين "أن مسألة بيع الطائرات بادرة سياسية قبل أي شيء"، وفي هذا المجال يشير هؤلاء إلى أن "الساحة الفرنسية كانت ضيقة في مواجهة سوق تسيطر عليه الولايات المتحدة". وتوقّف المراقبون عند السرعة القياسية التي تمت فيها الصفقة في بضعة أشهر.
سياسياً، شهدت الساحة الفرنسية ردود فعل عديدة، وعلى الرغم من التوافق بين كوادر اليمين واليسار على أن الصفقة تُشكّل إنجازاً لفرنسا، خرجت بعض الأصوات المعارضة.
صحيفة "ليبراسيون" وضعت ردود الفعل في ثلاث خانات تضمّ: مؤيدين أشادوا بالاتفاق، من وصفتهم في الفئة الثانية بـ"المستفيدين" من الصفقة، والفئة الثالثة هم "المشككون".
ردة فعل حزب الخضر في أوروبا لم تكن مشابهة لباقي التصريحات، فقد أعلنت الأمينة العامة في أوروبا امانويل كوس "أنها تشعر بحالة من التردد، وأن هناك تساؤلات حول بيع مثل هذه الطائرات لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي". وأضافت: "يمكن ان أقول إن الاتفاق رائع بسبب ما يحققه من فوائد لحسابات الخدمات العامة، ولشركة داسو، ولكن السؤال اليوم هل إن مصر، وفي ظل وضعها الاقتصادي الحالي، والتي لم تتردد منذ أسبوع عن إطلاق النار على المتظاهرين الذين كانوا في قلب الثورة، فهل الأولوية لمصر اليوم أن تشتري 24 طائرة رافال؟".
مسؤولة الخضر انتقدت طائرات "رافال" والفشل الصناعي وقالت: "لقد استغرق الأمر 30 عاماً لبيع 24 طائرة رافال، أتساءل اليوم لماذا استُثمرت كل هذه الطاقات في هذه الطائرة ولم يتم بيعها إلا الآن".
اما رئيس بلدية بوردو الوزير السابق آلان جوبيه، فأعرب "عن سعادته لإنجاز الاتفاق، ليس فقط لأنه تم بيع طائرات رافال وإنما ايضاً بسبب تجميع قطع الطائرات في مدينة بوردو".