وينتقد بعض سكان العاصمة ظاهرة انتشار صور قتلى الحشد في شوارع متفرقة من مناطقهم وبأحجام كبيرة، فيما يرى قياديون في الحشد الشعبي أن نشر صور قتلاهم في الطرق العامة والأزقة مدعاة للافتخار وواجب إنساني.
مع العلم أن الحرب التي قادتها القوات العراقية مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي على تنظيم "داعش"، خلفت أكثر من 35 ألف قتيل وجريح من مليشيا الحشد وحده، على مدى سنوات الحرب الثلاث الماضية، وتركت تداعيات اجتماعية ونفسية على الشارع العراقي تعدت المدن المحتلة لتشمل بغداد ومدن جنوب العراق التي تحولت إلى خزان بشري لرفد فصول المعركة حتى نهايتها مطلع العام الحالي بإعلان النصر التام على التنظيم وطرده من جميع مدن العراق.
وكان الأمين العام لمليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، قد أعلن في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن عدد قتلى الحشد الشعبي في المعارك التي جرت للقضاء على تنظيم "داعش" في العراق، مبيناً أنهم تجاوزوا الـ7637 قتيلاً. وقال الخزعلي في كلمة متلفزة، إن "الحشد قدم في معارك تحرير العراق دماءً غالية يجب حفظها وعدم نسيانها".
وقال المواطن حسن رجب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما يحدث في بغداد هو استغلال لمن قاتل داعش من خلال نشر صورهم مصحوبة بشعارات لبعض الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية من أجل الترويج لمصالحها الخاصة مستغلة هذه التضحيات". ولفت إلى أن "بغداد مليئة اليوم بصور الموتى، ومع كل احترامنا لهم، ولكن الغريب هو أن نجد صوراً لقتلى من دول الجوار ولرموز دينية ليست عراقية".
واعتبر رجب أن "الإساءة لشوارع بغداد باتت وكأنها حركة مقصودة من جهات بعضها معروف وهي أحزاب متنفذة في الدولة، وبعضها الآخر غير معروف ويبدو أنها أيادٍ إقليمية".
وتستغل مليشيا الحشد الشعبي الإمكانيات المادية من مخصصات ورواتب ومكاتب، حصلت عليها من الحكومة العراقية، في نشر أيديولوجيتها التوسعية، من خلال التطبيع مع اللغة الفارسية.
وفي السياق، أكد مصدر مسؤول اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من صور قتلى الحشد الشعبي، لا سيما من الذين دربوا في إيران، وقاتلوا في سورية ومن ثم العراق، كُتبت أسماؤهم بالخط الفارسي، مع تغيير زي القتيل الأصلي وتحويل ملابسه إلى زي الحرس الثوري الإيراني ووضع الشماغ الإيراني، الذي بات يسمى في العراق بـ(الغترة الخامنائية)". وأشار إلى أن أغلب فصائل الحشد تمتلك الآن مطابع ضخمة لطباعة منشوراتها الترويجية وصور قتلاها.
من جانبها، بيّنت أمانة بغداد، وهي المسؤولة عن نظافة العاصمة وجماليتها، أنها "تسمح بتعليق صور القتلى من الحشد الشعبي وباقي صنوف القوات العراقية، شرط الابتعاد عن العشوائية واحترام المناطق العامة ورغبة السكان".
وقال المتحدث الإعلامي باسم الأمانة، حكيم عبد الزهرة، في حديث مع "العربي الجديد"، "نحن نحترم تضحيات قوات الحشد وأرواحهم، لكن العشوائية بتعليق صورهم في شوارع بغداد وأحيائها مرفوضة ولا نسمح بها". ولفت إلى أن "فرق عمل الأمانة مستمرة برفع التجاوزات، ونحن مشغولون هذه الأيام بفتح الطرق المغلقة، أما قضية الصور فهي حساسة لأنها تتعلق بإحساس الناس ومشاعر أهالي القتلى".
وأشار إلى أن "بعض رجال الدين الشيعة رفضوا أن تعلق صورهم، وأمروا برفع الصور إذا كانت تعترض طريق المواطنين أو تسبب لهم مضايقة، والأمر أيضاً مع صور قتلى الحشد الشعبي، فالصورة التي تعيق مسير المواطنين أو السيارات، نقوم بنقلها إلى مكان آخر، أو نأمر برفعها".
من جهته، رأى القيادي في ميلشيا بدر، إحدى فصائل الحشد الشعبي، كريم النوري، أن "نشر وتعليق صور شهداء الحشد ما هو إلا مدعاة فخر ووفاء ملزم، وواجب إنساني وشرعي على كل عراقي شريف". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل الأمم في العالم تفتخر بتضحيات أبطالها من الذين ضحوا من أجلها، ومن غير المنطقي الاستكثار بوضع صورهم في شوارع العاصمة". واعتبر أن "الصور المنشورة ليست لجبناء أو سراق أو فاسدين"، متمنياً في الوقت نفسه "لو أن الشوارع والأزقة في بغداد تسمى بأسماء شهداء الحشد الشعبي تخليداً لهم"، داعياً العراقيين إلى "تقديرهم".
في موازاة ذلك، قال عضو مجلس العاصمة بغداد، سعد المطلبي، إن "المجتمع البغدادي يعرف جيداً أن الحشد دافعوا عن العراق كله وليس عن مكون معين، ويعرفون بشكل جيد التضحيات التي قدموها، حتى أنهم خسروا كل الأشياء وفازوا بتوفير الأمان للعراقيين". وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "من يشعر بجرح في مشاعره بسبب انتشار صور شهداء الحشد فهو ضد الحرب على داعش والإرهاب أو ربما يعتقد بأحقية داعش في حكمه للعراق".
واعتبر أن "الذي يعترض على هذه الصور، عليه أن يتذكر اللحظات الأولى لاحتلال داعش لمناطق العراق، وكيف هبّ هؤلاء الشهداء لحماية المحافظات الشمالية والغربية من خطر الإرهاب".