بعد نحو أسبوع على إتمام صلح بين قبيلتي "بني هلال" العربية، و"الدابودية" النوبية، في محافظة أسوان عقب اشتباكات بينهما أودت بحياة أكثر من 30 من أبنائهما، لا يزال أهالي المنطقة يتوجسون من اشتعال الاشتباكات بينهما مجددا.
وقال ابن قرية "بلّان" النوبية، عبد الدايم عز الدين لـ"العربي الجديد"، عن جذور اشتعال الأزمة بين القبيلتين: "بدأت الخلافات بين القبائل العربية والنوبية في عهد محافظ أسوان السابق، مصطفى السيد الذي عيّن في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لأنه قسّم المحافظة بين القبائل العربية، وأبناء النوبة، وتوالت المشكلات بين القبائل حينها، إلى أن وقعت اشتباكات إبريل/نيسان الماضي".
"حتى الآن لا أحد يعرف من كتب العبارات المسيئة على الجدران"، يقول عز الدين عن سبب الاشتباكات، ويضيف: "كتبت عبارات مسيئة وشتائم لأهالي دابود، وأهالي بني هلال، ومن غير المعروف من كتبها حتى الآن، والأمن حينها ألقى القبض على أحد المعلمين، وقالوا إنه مدرس ينتمي إلى جماعة الإخوان، وهو من كتب تلك العبارات وأشعل الفتنة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن الرجل ليس له علاقة بأي شيء".
الاشتباكات في البداية كانت بين طلاب بني هلال والدابودية، ولكن الأمر تفاقم عندما جاء رجال قبيلة بني هلال، ومعهم سلاحهم وقتلوا امرأة نوبية وشابين، وهو ما دفع الدابودية في اليوم التالي لأخذ الثأر، وهو المشهد الذي مات فيه عدد أكبر من بني هلال.
يقول عز الدين: "وصلت الاشتباكات إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وأدت إلى سقوط أكثر من 28 قتيلا، إلى أن تدخلت قوات الأمن، وقامت بحملة واسعة من الاعتقالات".
يواصل عز الدين "تشكّلت بعدها لجنة صلح، من المحافظ الحالي مصطفى يسري، ورئيس جامعة أسوان منصور كباش، والشيخ تقادم ممثلا عن القبائل العربية، والشيخ الإدريسي ممثلا عن القبائل النوبية، وتوصلوا لقيام الدابودية بتقديم الكفن لبني هلال، وهو ما رفضه الدابودية، لأنه لا يوجد في عرفهم حمل الكفن، ولأنهم يرون أنه نوع من التمسك بالعادات والتقاليد، وليس فيه شيء من الشرع".
وعن تجدد الاشتباكات بين القبيلتين في يونيو/حزيران الماضي، يقول "بنو هلال أحرقوا جثتين لشابين، أحدهما من قبيلة "الكرور"، والآخر من قبيلة "الكوبانية"، ظناً منهم أنهما من قبيلة "الدابودية"، وحدث الصلح النهائي بينهما مطلع الشهر الحالي، ولكن الشباب من الطرفين غير راضين، وكلهم يريد الثأر".
ويواصل عز الدين: "المحافظ السابق كان ضد حقوق النوبة في عودتهم إلى أرضهم على ضفاف البحيرة خلف السد العالي، وحتى الحدود السودانية، وقام بإطلاق الشائعات التي من بينها أن النوبيين يريدون الانفصال عن مصر، وإنشاء دولة خاصة بهم، والأجهزة الأمنية كذلك من الجهات التي تعمل على إشعال الفتنة، وترفض حق عودتنا إلى أرضنا".
الأزمة لن تنتهي حتى وإن تم تغيير العاملين في جهاز الأمن في أسوان، كما يرى عز الدين، "إلا إذا غيّرت أجهزة الأمن طريقة تفكيرها في النوبيين، وأوقفت إطلاق الشائعات ضدهم، واعترفت بحقهم في العودة لأرضهم".
وكانت قوات الأمن وجهات سيادية أجبرت القبيلتين المتصارعتين على الصلح، بينما رفض شباب القبائل الأمر واعتبروه، صلحا تحت تهديد السلاح.
وبحسب بيان تداوله شباب نوبيون في مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "لا تصالح"، فإن "معاهدات الصلح مع "بني هلال" تملأ أدراج الجمعيات النوبية، ولكن هم لا عهد لهم، وحلّهم الوحيد النفي من أسوان والعودة إلى قنا وسوهاج لكي تجتث المشاكل من جذورها" على حد قول البيان.
وكان شباب قبيلة "بني هلال" أصدروا بياناً، بعد الصلح، أعلنوا فيه رفضهم المصالحة، مطالبين بتطبيق "القودة"، أو حمل الكفن، كحل للأزمة وشرط وحيد للصلح بينهم وبين "الدابودية".
وبدأت الاشتباكات الدامية بين قبيلتَي بني هلال والدابودية في أبريل/ نيسان الماضي، وسقط خلالها 28 قتيلاً خلال أسبوع، وحمّل الأهالي مسؤوليتها للقيادات الأمنيّة في المحافظة، واتهموها "بسحب القوات من موقع الاشتباكات وترك الأبرياء يقتلون في الشوارع".
وانتهت الأحداث باتفاق هدنة مؤقت تمّ إبرامه في العاشر من أبريل/نيسان الماضي، توسّط فيه شيخ الأزهر أحمد الطيب، بعد اجتماع شيوخ القبائل العربيّة، الذين حضروا إلى أسوان من محافظات شمال سيناء وجنوبها ورفح والعريش. وتمّ عندها الإعلان عن تشكيل لجنة للمصالحة.