06 نوفمبر 2024
ضحايا الحرب في اليمن... المعاناة والابتزاز السياسي
تتعاطى كل أطراف الصراع اليمنية، وحلفاؤها الإقليميون، مع ضحايا الحرب اليمنية بتحايلٍ وبلا أي مبالاةٍ سياسية أو إنسانية، كاشفة عن خلل كبير في القيم الإنسانية لدى هذه الأطراف. وفق منطق المتصارعين، يجري التعامل مع اليمنيين، قبل تحولهم إلى ضحايا محتملين، باعتبارهم حالاتٍ لا تتمتع بكامل الإنسانية، ولا تستدعي التفكير في ضرورات وقوعها وتبعات ذلك. لا تعترف أطراف الحرب اليمنية بالضحايا، ولا حتى باعتبارهم "أخطاء غير متعمدّة" منها. للتأكد من حرمان الضحايا اليمنيين من الإنصاف حاضراً ومستقبلاً، تعمل أطراف الصراع على تكريس الضحايا في وعي المجتمع كـ"أخطاء بذاتها"، تحدث في الحروب، ما يجعل قضية إنصاف الضحايا خاضعة لتقديرات المنتهكين انفسهم. وفي أفضل الأحوال، التخلص منهم ضمن تسويةٍ سياسيةٍ بين أطراف الحرب نفسها، تسوية تحول المتحاربين إلى أبطال سلام وسلطة شرعية، وتحول الضحايا إلى قربان تجب التضحية به للترويح عن مزاج سادة الحرب.
إضافة للانتهاكات التي مارستها مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح بحق اليمنيين، فرض التدخل العسكري لقوات التحالف العربي تعدّد هوية المنتهك بحق اليمنيين، وشكلت غارات التحالف سبباً آخر لسقوط مزيد من الضحايا. على الرغم من اختلافها السياسي، عملت هذه الأطراف على تكييف كل وسائلها الإعلامية والسياسية للإفلات من المساءلة، يساعدها في تحقيق ذلك سلبية المجتمع اليمني وانقسامه، إلى حد تصنيف الانتهاك وفقاً لهوية المنتهك. اللافت في الحرب اليمنية تمادي أطرافها في انتهاك القوانين والأعراف الدولية المتبعة في الحروب، وتجاهلها أو تعطيلها التقارير الدولية عن الفظاعات بحق اليمنيين، مستفيدةً من تفكك الدولة وغياب سلطة سياسية يمنية وطنية، تتعاطى مع الضحايا اليمنيين باعتبارهم مواطنين، تقع عليها مسؤولية حمايتهم، وضمور أي دور لرقابةٍ اجتماعيةٍ محلية ودولية، ترصد هذه الجرائم بحيادية، وتشكيل رأي عام محلي ودولي لمحاسبة المسؤولين.
ملف ضحايا الحرب في اليمن، الذي يثار بين وقت وآخر، وبمقتضى الحاجة السياسية لهذا الطرف أو ذاك، يبدو حالةً نموذجيةً لشرعنة يمنية ودولية، تمنح المتحاربين صكّ البراءة والإفلات من العقاب؛ فمنذ بدء "عاصفة الحزم" قبل أكثر من عام، رفضت السعودية الاعتراف بسقوط ضحايا يمنيين جرّاء غاراتها، مغلفةً تدخلها في اليمن بأبعادٍ ساميةٍ، لا يجوز الاشتباه بها أو تقييم الأضرار المادية والبشرية الناتجة عن تدخلها العسكري. تبرّر السعودية تدخلها العسكري بطلب رسمي من الرئيس الشرعي لإنهاء تمرد الانقلابيين، وإذا ما كان "غطاء الشرعية اليمنية" يبرّر تدخلها، إلا أنه لا يعفيها من المسؤولية حيال ضحايا قصفها الجوي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي أكثر من 50 عملية عسكرية قامت بها السعودية، تكرّر سقوط المدنيين، كما تكرّر افراطها باستخدام القوة، في مدينة صنعاء ومدينة صعدة، كما أكدت تقارير تفصيلية ميدانية لمنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
تجاهلت السعودية كل التقارير الدولية الخاصة بالضحايا المدنيين الذين سقطوا من جرّاء غارات
التحالف، وسعت إلى تشويه جهود تلك المنظمات، واتهامها بخدمة أجندات جماعة الحوثي وصالح، أو بممارسة ضغوط على هذه المنظمات لتغيير تقاريرها، وأقرب مثال ما حدث مع تقرير الأمم المتحدة، الذي أدرج، أخيراً، اسم السعودية ودول التحالف وكذلك مليشيات الحوثي في القائمة السوداء بسبب قتل أطفال يمنيين. بعيداً عن الاختلاف أو الاتفاق على النسب الواردة في التقرير، وتحميل التحالف المسؤولية الكبرى في تلك الوقائع، انتصر التقرير لألفي طفل يمني قتلتهم أطراف الحرب بتحديد هوية تلك الأطراف، إلا أنه، وبمجرد صدور تقرير الأمم المتحدة، وظفت الدبلوماسية السعودية وسائلها ومنابرها الدينية في ضغوطٍ أسفرت عن إعلان شطب اسم السعودية ودول التحالف من اللائحة السوداء لمنتهكي الأطفال في حرب اليمن.
تكرّس السعودية جهوداً لمحو آثار حربها في اليمن أكثر مما تكرّسه في العمليات العسكرية، فقد نجحت، أخيراً، في شطب اسمها وأسماء حلفائها من القائمة السوداء. قبل ذلك، حيث قامت بخطوة استباقية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لاحتواء ملف ضحايا عمليات التحالف، بعرقلتها قرار تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جرائم الحرب في اليمن. وبدلاً من ذلك، مرّرت تصديقاً على تشكيل لجنة يمنية بإدارة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ما يعني تحت إدارتها المباشرة، مما يجعل هذه اللجنة عاجزة عن التحقيق في جرائم سقوط قتلى يمنيين من غارات التحالف.
في المقابل، استمرت مليشيات الحوثي وقوات صالح في قتلها المدنيين في مدينة تعز، بإطلاق المدفعية وصواريخ الكاتيوشا والهاوزر على الأحياء السكنية، ولا تعترف بمسؤوليتها عن تلك الجرائم، وتوظف ضحايا التحالف العربي في مسارها التفاوضي بما يخدم أجندتها، والمقايضة بالضحايا لإسقاط أسماء قياداتها وقيادات الحرس الجمهوري التابعة لصالح من الملاحقة الجنائية مستقبلاً.
خضوع ضحايا الحرب في اليمن للابتزاز السياسي من أطراف الحرب في اليمن يجعلهم ضحايا مرتين، ويجعل قضيتهم ملفاً خاضعاً للشدّ والجذب ومزاجية المجتمع الدولي وأجنداته؛ فوفقاً لتصاعد الخلاف السعودي الأميركي، أخيراً، استجابت الولايات المتحدة لتقارير منظماتٍ دوليةٍ تطالب بوقف بيع الأسلحة العنقودية للسعودية، إلا أن هذا الإجراء الأميركي لا يمكن تفسيره انتصاراً للضحايا، بل أداة توظفها أميركا في خلافها مع السعودية.
يقع إنصاف ضحايا الحرب في اليمن على عاتق اليمنيين، بتجذير احترام المواطنة اليمنية، وإخراج الضحايا من دائرة الاستقطابات السياسية، ورفض تكريسهم أداة في أيدي أطراف الصراع اليمنية وقيادة التحالف، فمن قتل بغارات التحالف، أو بقصف مليشيات الحوثي، هم مواطنون يمنيون، مدنيون وليسوا مقاتلين، وإنصافهم قضية وطنية وإنسانية في المقام الأول. قد تسقط التسوية السياسية المقبلة حقوق الضحايا الذين قتلتهم مليشيات الحوثي وصالح، إلا أن ذويهم، وكذلك المنظمات الحقوقية، يستطيعون ملاحقة المجرمين؛ كما أن الضغوط السعودية وانكشاف دور الأمم المتحدة قد يعيق إنصاف ضحايا التحالف. وعلى الأغلب، لن يكون إنصافهم بفضل أطراف الصراع اليمنية، بينما قد يساعد تحريك أميركا لملف ضحايا التحالف مستقبلاً في انصافهم إلى حدٍّ ما، تماما كماً حرّكت ملف ضحايا 11 سبتمبر، لكن الأكيد أن لا إنصاف سيتحقق إلا بنهوض سلطةٍ وطنيةٍ يمنيةٍ، ترد الاعتبار للضحايا، كل الضحايا.
تثبت سياقات الحرب في اليمن أن لا ضمير ولا أخلاق في هذه الحرب، لا على مستوى أطراف الصراع، ولا على مستوى العالم الخاضع لإملاءات أقويائه، والمكتفي بمراقبةٍ صامتةٍ لحفلة دمٍ يومية، ولا أحد يهتم بهذه الحرب المنسية، ويدين الأيادي الملوثة بدماء اليمنيين، وإن فعل فسيكون ذلك فقط من أجل ممارسة نوع من الابتزاز الرخيص، باسم الضحايا اليمنيين.
إضافة للانتهاكات التي مارستها مليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح بحق اليمنيين، فرض التدخل العسكري لقوات التحالف العربي تعدّد هوية المنتهك بحق اليمنيين، وشكلت غارات التحالف سبباً آخر لسقوط مزيد من الضحايا. على الرغم من اختلافها السياسي، عملت هذه الأطراف على تكييف كل وسائلها الإعلامية والسياسية للإفلات من المساءلة، يساعدها في تحقيق ذلك سلبية المجتمع اليمني وانقسامه، إلى حد تصنيف الانتهاك وفقاً لهوية المنتهك. اللافت في الحرب اليمنية تمادي أطرافها في انتهاك القوانين والأعراف الدولية المتبعة في الحروب، وتجاهلها أو تعطيلها التقارير الدولية عن الفظاعات بحق اليمنيين، مستفيدةً من تفكك الدولة وغياب سلطة سياسية يمنية وطنية، تتعاطى مع الضحايا اليمنيين باعتبارهم مواطنين، تقع عليها مسؤولية حمايتهم، وضمور أي دور لرقابةٍ اجتماعيةٍ محلية ودولية، ترصد هذه الجرائم بحيادية، وتشكيل رأي عام محلي ودولي لمحاسبة المسؤولين.
ملف ضحايا الحرب في اليمن، الذي يثار بين وقت وآخر، وبمقتضى الحاجة السياسية لهذا الطرف أو ذاك، يبدو حالةً نموذجيةً لشرعنة يمنية ودولية، تمنح المتحاربين صكّ البراءة والإفلات من العقاب؛ فمنذ بدء "عاصفة الحزم" قبل أكثر من عام، رفضت السعودية الاعتراف بسقوط ضحايا يمنيين جرّاء غاراتها، مغلفةً تدخلها في اليمن بأبعادٍ ساميةٍ، لا يجوز الاشتباه بها أو تقييم الأضرار المادية والبشرية الناتجة عن تدخلها العسكري. تبرّر السعودية تدخلها العسكري بطلب رسمي من الرئيس الشرعي لإنهاء تمرد الانقلابيين، وإذا ما كان "غطاء الشرعية اليمنية" يبرّر تدخلها، إلا أنه لا يعفيها من المسؤولية حيال ضحايا قصفها الجوي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ففي أكثر من 50 عملية عسكرية قامت بها السعودية، تكرّر سقوط المدنيين، كما تكرّر افراطها باستخدام القوة، في مدينة صنعاء ومدينة صعدة، كما أكدت تقارير تفصيلية ميدانية لمنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
تجاهلت السعودية كل التقارير الدولية الخاصة بالضحايا المدنيين الذين سقطوا من جرّاء غارات
تكرّس السعودية جهوداً لمحو آثار حربها في اليمن أكثر مما تكرّسه في العمليات العسكرية، فقد نجحت، أخيراً، في شطب اسمها وأسماء حلفائها من القائمة السوداء. قبل ذلك، حيث قامت بخطوة استباقية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لاحتواء ملف ضحايا عمليات التحالف، بعرقلتها قرار تشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جرائم الحرب في اليمن. وبدلاً من ذلك، مرّرت تصديقاً على تشكيل لجنة يمنية بإدارة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ما يعني تحت إدارتها المباشرة، مما يجعل هذه اللجنة عاجزة عن التحقيق في جرائم سقوط قتلى يمنيين من غارات التحالف.
في المقابل، استمرت مليشيات الحوثي وقوات صالح في قتلها المدنيين في مدينة تعز، بإطلاق المدفعية وصواريخ الكاتيوشا والهاوزر على الأحياء السكنية، ولا تعترف بمسؤوليتها عن تلك الجرائم، وتوظف ضحايا التحالف العربي في مسارها التفاوضي بما يخدم أجندتها، والمقايضة بالضحايا لإسقاط أسماء قياداتها وقيادات الحرس الجمهوري التابعة لصالح من الملاحقة الجنائية مستقبلاً.
خضوع ضحايا الحرب في اليمن للابتزاز السياسي من أطراف الحرب في اليمن يجعلهم ضحايا مرتين، ويجعل قضيتهم ملفاً خاضعاً للشدّ والجذب ومزاجية المجتمع الدولي وأجنداته؛ فوفقاً لتصاعد الخلاف السعودي الأميركي، أخيراً، استجابت الولايات المتحدة لتقارير منظماتٍ دوليةٍ تطالب بوقف بيع الأسلحة العنقودية للسعودية، إلا أن هذا الإجراء الأميركي لا يمكن تفسيره انتصاراً للضحايا، بل أداة توظفها أميركا في خلافها مع السعودية.
يقع إنصاف ضحايا الحرب في اليمن على عاتق اليمنيين، بتجذير احترام المواطنة اليمنية، وإخراج الضحايا من دائرة الاستقطابات السياسية، ورفض تكريسهم أداة في أيدي أطراف الصراع اليمنية وقيادة التحالف، فمن قتل بغارات التحالف، أو بقصف مليشيات الحوثي، هم مواطنون يمنيون، مدنيون وليسوا مقاتلين، وإنصافهم قضية وطنية وإنسانية في المقام الأول. قد تسقط التسوية السياسية المقبلة حقوق الضحايا الذين قتلتهم مليشيات الحوثي وصالح، إلا أن ذويهم، وكذلك المنظمات الحقوقية، يستطيعون ملاحقة المجرمين؛ كما أن الضغوط السعودية وانكشاف دور الأمم المتحدة قد يعيق إنصاف ضحايا التحالف. وعلى الأغلب، لن يكون إنصافهم بفضل أطراف الصراع اليمنية، بينما قد يساعد تحريك أميركا لملف ضحايا التحالف مستقبلاً في انصافهم إلى حدٍّ ما، تماما كماً حرّكت ملف ضحايا 11 سبتمبر، لكن الأكيد أن لا إنصاف سيتحقق إلا بنهوض سلطةٍ وطنيةٍ يمنيةٍ، ترد الاعتبار للضحايا، كل الضحايا.
تثبت سياقات الحرب في اليمن أن لا ضمير ولا أخلاق في هذه الحرب، لا على مستوى أطراف الصراع، ولا على مستوى العالم الخاضع لإملاءات أقويائه، والمكتفي بمراقبةٍ صامتةٍ لحفلة دمٍ يومية، ولا أحد يهتم بهذه الحرب المنسية، ويدين الأيادي الملوثة بدماء اليمنيين، وإن فعل فسيكون ذلك فقط من أجل ممارسة نوع من الابتزاز الرخيص، باسم الضحايا اليمنيين.