ضحايا سانت كاترين... من "باب الدنيا" إلى باب القبر

20 فبراير 2014
+ الخط -

لا وقت للبكاء فالغضب الذي يظهر في العيون يمنع الدموع من وداع ثمانية من شباب مصر قتلهم الصقيع وعرّاهم فوق جبل باب الدنيا إهمال رسمي يقترب من حدود الجريمة.

لا وقت للبكاء فالجنازات الكبيرة مرثية لفكرة المواطنة وهي قصة كشفتها واقعة سانت كاترين، فقد خرج الشباب الثمانية المفعمون بالانطلاق المسكونون بالأمل، صباح السبت، لتجربة جديدة يخوضون فيها مغامرة لتسلق "باب الدنيا" أحد جبال منطقة سانت كاترين في وسط سيناء، ليتحول نصفهم صباح الخميس التالي إلى جثامين مرفوعة على الأعناق يُشيّعون إلى مثواهم الأخير، بينما نصفهم الناجي قيد التحقيق أمنيا وسط ذهول أصدقائهم والقلة القليلة من العقلاء الباقية في البلاد.

 

تغريدة لخالد السباعي: سافرت قبل أن تُختلق الحدود، وتجرأت قبل أن تُسَن القيود، ثم تهرأت قبل أواني من فرط البرود، فأصبحت كقبر محاطا بالورود

حتى صباح يوم أمس الأربعاء، كان الأمل قائماً في العثور على الناجي الخامس المخرج السينمائي محمد رمضان، لكنه أبى أن يترك أصدقاءه الثلاثة هاجر أحمد وخالد السباعي وأحمد عبد العظيم في رحلتهم الأخيرة إلى السماء، وصمم على أن يكون رابعهم في تلك الرحلة الأبدية، تاركاً أصدقاء أخرين أحياء من خلفه يكاد الذهول يقتلع قلوبهم من هول ما حدث في جبل "باب الدنيا".

تقول إيزيس خليل صديقة محمد رمضان، إنها لا تستطيع التعامل مع وفاته على أنها حقيقة، "ليس لأنه صديقي الذي كان يهتم بالسؤال عني طوال فترة صداقتنا، ولا لأنه أطيب شاب قابلته في حياتي، ولا حتى لكونه كان يمتلك حلماً عادياً بداية من تخرجه في كلية الهندسة واتجاهه إلى دراسة السينما التي تخرج من معهدها الأهم بتفوق وعين فيه معيداً".

وتضيف إيزيس "محمد كان كتف وضهر وصاحب جدع وعيّنة نضيفة من شباب مصر وقلبه أبيض، وكان بيحب الحياة حب جنوني وعنده حلم مهم متعلق هنا".

 

واستقبل مطار ألماظة جثث الضحايا الأربع عصر أمس الأربعاء بعد نقلها من مستشفى سانت كاترين العام، "لو كانوا شباب رافعين رابعة فوق جبل سانت كاترين، كان هيتم الإبلاغ عنهم وكانت أكيد هتروح لهم طيارة وأوامر ضبط واحضار ويمكن ساعتها كانوا نجوا". هكذا تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الواقعة ساخرين من الاهمال الرسمي.

في مسجد السيدة نفيسة احتشد المئات من أصدقاء المخرج محمد رمضان وعدد من الفنانين وطلاب معهد السينما والمتطوعين في الأعمال الخيرية، لتشييع جنازته بعد الصلاة عليه، وليدفن في مقابر نقابة السينمائيين في حي السادس من أكتوبر، فيما احتشد مئات آخرون أمام مسجدي رابعه العدوية في مدينة نصر، والرحمن الرحيم في طريق صلاح سالم لتشييع جنازات باقي الضحايا الثلاثة هاجر شلبي وخالد السباعي واحمد عبد العظيم، وسط حزن وبكاء أهالي وأصدقاء الضحايا ومحبيهم.

غضب شعيبي من الاهمال الرسمي في حادث سانت كاترين خلال تشييع الضحايا

 

واستنكرت سالي محمد حالة الرفض الرسمي من قوات الأمن ومسؤولي الصحة لترك أصدقاء محمد رمضان يلقون النظرة الأخيرة على وجهه قبل الدفن، على الرغم من نشر بعض الصحف والمواقع لصور الضحايا بعد وفاتهم علناً.

وبينما كان التركيز على رمضان وهاجر كبيراً طيلة أيام البحث بسبب وجود الأمل في العثور على رمضان حياً، ولكون عائلة هاجر أول من أبلغ عن فقدان الشباب، إلا أن كثيرين لفتتهم أيضاً كلمات خالد السباعي التي كتبها على صفحته في "فايسبوك" أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي والتي قال فيها إنه سيصبح "قبراً محاطاً بالورود".

وكتب خالد في  ديسمبر الماضي: "سافرت قبل أن تُختلق الحدود، وتجرأت قبل أن تُسَن القيود، ثم تهرأت قبل أواني من فرط البرود، فأصبحت كقبر محاطا بالورود".

وتقول أخته مرام السباعي وهي تغالب دموعها: "نسألكم الدعاء. أصحاب خالد اللي تم انقاذهم بيقولوا إن خالد ما شاء الله كان من الناس اللي بتقومهم للوضوء والصلاة، ربنا يكتبك من الصالحين يا حبيبي ويرزقك أجر الشهادة".

كان الشباب الثمانية في رحلة خاصة في منطقة سانت كاترين قبل أن تهبّ عاصفة ثلجية قاسية وتدمّر مخططهم لتسلق جبل "باب الدنيا" وتقتل أربعة منهم وتترك الأربعة الباقين نصف أموات من هول ما عايشوه على مدار أربعة أيام من البرد والرعب والجوع والإهمال والتقاعس.

 

المساهمون