تعكس الدعوة، التي وجهتها الإدارة الأميركية لمساعد رئيس الجمهورية السوداني والرجل الثاني في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إبراهيم غندور، لزيارة واشنطن، بوصفها أول دعوة رسمية توجهها لمسؤول حكومي، بدء التحركات الأميركية لوضع حد للأزمة السودانية التي تفاقمت حدتها قبل سنوات، وتحديداً قبيل انفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة في يوليو/تموز 2011.
وعلمت "العربي الجديد" أن واشنطن، التي يزورها غندور حاليّاً، تطمح من خلال الدعوة إلى الضغط على الخرطوم لقبول مقترح سلّمه الوسيط الأفريقي في الأزمة السودانية، ثامبو أمبيكي، للرئيس السوداني، عمر البشير، إبان زيارته الأخيرة الخرطوم. وأبلغت مصادر متطابقة "العربي الجديد" أن المقترح وجد إجماعاً من الاتحاد الأفريقي والأوربيين والأميركيين. ويتضمن المقترح إقرار فترة حكم انتقالية برئاسة البشير لمدة خمسة أعوام فضلاً عن تقسيمات بنسب محددة للسلطة تضمن مشاركة كافة الفصائل السودانية بينها الحركات المسلحة في إدارة البلاد. كما يطرح منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان فضلاً عن إقليم دافور حكماً ذاتيّاً، وهي مناطق تشهد حرباً حالية بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية يحركها التهميش لهذه المناطق.
وتؤكد المصادر نفسها لـ"العربي الجديد"، أنّ البشير رفض مجرد مناقشة المقترح والتفاوض عليه، بينما تشير المصادر إلى أن واشنطن من خلال دعوتها غندور، تريد أن تحصل على رد نهائي من الحكومة السودانية حيال المقترح الذي تباركه، ووضعت فيه لمساتها، وتريد واشنطن ردّاً واضحاً ما إذا كانت الحكومة السودانية ستقبل به كأساس للتفاوض أم لا. وذكرت المصادر أن واشنطن ستسلم غندور رؤية جديدة بشأن الحل الشامل لأزمات السودان لينقلها الأخير إلى القيادة في الخرطوم.
وينتظر أن تنعقد، في نهاية الشهر الحالي، ورشتا عمل في ألمانيا منفصلتان للمعارضة السودانية والحكومة، لكن بتوقيت متزامن لتوحيد الرؤى بشأن المقترح.
ووجد المقترح ترحيباً وموافقة من الحركات المسلحة التي رفعت سقف مطالبها بعد أن علمت برفض البشير للمقترح، مطالبةً بأن تكون الفترة الانتقالية برئاسة شخصية غير البشير. في المقابل انقسمت بشأنه الأحزاب المعارضة، وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة الحكم الذاتي وتخوفها من أن يقود ذلك في النهاية إلى تقرير مصير تلك المناطق، ومن ثم إلى الانفصال إسوة بجنوب السودان.
واستبق المؤتمر الشعبي بزعامة، حسن الترابي، عودة غندور من واشنطن، معلناً رفضه القاطع لمقترح أمبيكي. ويوضح الأمين السياسي للحزب، كمال عمر عبدالسلام، لـ"العربي الجديد" أن المؤتمر الشعبي درس المقترح جيداً، وأكد اعتراضه ورفضه له "باعتبار أنه يكرر التجربة التاريخية الخاطئة التي تمت في اتفاقية السلام الشامل التي أبرمت بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان من ضمن نتائجها انفصال الجنوب".
ويوضح عبدالسلام، أن الحزب يرفض، أيضاً "الفترة الانتقالية المقترحة والتي تمتد إلى خمس سنوات، ومنح الحكم الذاتي للمناطق الثلاث (دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق)، مشيراً إلى أن "المقترح بصيغته الحالية يؤسس لنفس الحكم الذاتي الذي تم إبان الفترة الانتقالية التي تلاها انفصال الجنوب". ويضيف "نحن لن نقبل أن تأتينا الاتفاقات فوقية من المجتمع الدولي إطلاقاً، ونحن مع الحوار السوداني ــ السوداني والحل السوداني".
وبالتزامن مع المشاورات التي بدأها مساعد الرئيس السوداني في واشنطن، تعمد الحزب الحاكم في الخرطوم توجيه رسائل محددة للجانب الأميركي، بعضها حمل تهديدات مبطنة بالإشارة إلى الدور المحوري للسودان في ما يتعلق بالجوار الإقليمي الذي يشهد توترات وأعمال عنف، فضلاً عن رسائل أخرى حملت تأكيدات حول رفض الخرطوم تقديم أي تنازلات، ولا سيما المرتبط منها بوقف الإجراءات الخاصة بالعملية الانتخابية التي ستنطلق في الأسبوع الثاني من أبريل/نيسان المقبل.
ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده المسؤول السياسي للمؤتمر الوطني، مصطفى عثمان، يوم الاثنين الماضي في الخرطوم، أكد أهمية زيارة غندور إلى واشنطن. ومما قاله عثمان "لا ننكر أن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها تأثيرات على مستوى العالم، ولسنا في إطار إشعال حرب معها، لكن لدينا قضايا محددة نريد حلها بالحوار والتفاهم". وأضاف عثمان "نريد أن يكون لنا دور في القضايا الإقليمية، وهم علموا قبل غيرهم أهمية السودان ويدركون أن الأوضاع في المنطقة ملتهبة وجرثومة العنف والتفجيرات لم تصل الى الخرطوم وأن طرحنا لحل الخلافات هو الحوار".
وشدد المسؤول السياسي للحزب الحاكم على استعداد السودان لسماع "وجهة النظر الأميركية، لكن لن يكون حوارنا معها للتنازل عن الثوابت الوطنية ولا للتراجع عن الانتخابات، ولكن حوار يؤمن المصالح المشتركة"، مختتماً مؤتمره بالقول "لا توجد لدينا مشكلة أن يكون للولايات المتحدة مصالح في هذه المنطقة".
ويستبعد مراقبون أن تحدث زيارة غندور أي اختراق في الداخل السوداني، ولا سيما أن الحزب الحاكم نفسه توجد في داخله تيارات تفضّل المواجهة مع الولايات المتحدة، وتراهن على عدم مقدرة الأخيرة في فرض مزيد من العقوبات والضغط على السودان بالنظر إلى التوترات الأمنية في المنطقة وقضية الإرهاب مع ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية". ويُضاف إلى ذلك، اعتماد الخرطوم على حلفائها في موسكو وبكين، الأمر الذي ترى فيه حصانة ضد الغضب الأميركي.
ويستبعد المحلل السياسي، عبد المنعم أبو إدريس، أن تحدث زيارة غندور إلى واشنطن اختراقاً في علاقة البلدين التي تشهد تأزماً منذ وصول النظام الحالي إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989. ويلفت أبو إدريس في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "من الواضح أن هدف الزيارة مناقشة الداخل السوداني"، مضيفاً "لا أعتقد أن في حقيبة غندور ما يمكن أن يقدمه للمسؤولين الأميركيين مباشرة. كما أن الرجل ليس صاحب نفوذ وقرار يمكنه من اتخاذ أي خطوات من دون الرجوع للخرطوم".
ويشر أبو إدريس إلى أنه "من الواضح أن واشنطن تريد أن تمارس المزيد من الضغط على الخرطوم وستلوّح مرة أخرى بالجزرة والعصا فيما يتصل بإحداث تسوية شاملة للأزمة السودانية"، في إشارة إلى الحوافز والعقوبات المحتملة.
ووفقاً للمحل السياسي، فإن "الجانب الأميركي سيكون في ذهنه الأوضاع الإقليمية، عموماً، لأن أي محاولة لممارسة ضغوط أكثر من اللازم على الحكومة السودانية قد تقود الى نتائج عكسية وتتسبب في زيادة العنف الداخلي والاضطرابات، الأمر الذي سينعكس سلباً على الأمن في الإقليم".
ويعتقد أبو إدريس أن "واشنطن أمام مطب حقيقي؛ إذا ضغطت أكثر على الخرطوم لن تضمن نتائج ذلك على الإقليم، أما في حال تساهلت معها فلن يتم التوصل إلى أي تسوية سياسية". في المقابل فإن الحكومة السودانية أمام خيارين، إما الموافقة على العروض الأميركية أو المواجهة. وفي الحالتين سينعكس ذلك على المشهد السياسي السوداني ويحدث انقلاباً، الأمر الذي يزيد من أهمية زيارة الرجل إلى واشنطن.