ونقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، أخيراً، عن يعلون قوله، إن تركيا مطالَبة بأن تختار بين العلاقة مع "حماس" التي هي منظمة "إرهابية" والعلاقة مع إسرائيل. وبحسب يعلون، فإن إسرائيل تصرّ على إغلاق ما وصفه بـ"مقر قيادة حماس في إسطنبول". ليس هذا فحسب، بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي يشكّك في الدوافع التي حدت بتركيا لاستئناف الاتصالات الهادفة إلى إنهاء الأزمة بين الطرفَين، إذ أشار إلى أن الخطوة التركية جاءت في أعقاب تدهور العلاقات بين أنقرة وموسكو، إثر إسقاط الطائرة الروسية من قبل المقاتلات التركية. وحرص يعلون مجدداً على توجيه انتقاداته لشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال الادعاء بأنه غير معني بإحداث تغيير على واقع العلاقة بين الجانبَين.
على صعيد متصل، تشير بعض المعطيات إلى أنّ هناك تحركاً رسمياً إسرائيلياً واسعاً لشطب الانطباع الذي تولّد في أعقاب التسريبات التي تحدثت، أخيراً، عن تحقيق تقدم في الاتصالات بين أنقرة وتل أبيب. فقد نفى منسق شؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة في وزارة الدفاع الإسرائيلية، الجنرال بولي مردخاي، أن تكون إسرائيل قد أجرت اتصالات مع أنقرة بشأن إقامة ميناء قبالة ساحل غزة. ونقل موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أخيراً، عن مردخاي قوله: "لم تحدث أية اتصالات من هذا القبيل. وفي حال حصلت في المستقبل، فإنّ الطرف الذي ستفاوضه إسرائيل هو السلطة الفلسطينية وليس أي طرف آخر".
لكن يبدو أنّ ما قاله مردخاي لا يعبّر عن الحقيقة، إذ إنّ مصادر تركية وفلسطينية وإسرائيلية، أكّدت أن مسؤولين أتراكا وإسرائيليين بحثوا بتوسع فكرة تدشين إقامة ميناء قبالة غزة، وتم تبادل الكثير من الأفكار حول تطبيق المشروع. ليس هذا فحسب، بل إن جنرالات كبارا من زملاء مردخاي في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي لم يترددوا في إحاطة وسائل الإعلام الإسرائيلية علماً بموقفهم المتحمس لفكرة تدشين ميناء لغزة، على اعتبار أن هذا المشروع يمنع انفجار مواجهة جديدة مع حركة حماس، بسبب إسهامه في تحسين الأوضاع الاقتصادية.
ونقلت صحيفة "هآرتس"، أخيراً، عن مصادر عسكرية قولها إن جنرالات الجيش أبلغوا الأوساط السياسية بموقفهم المتحمس لفكرة تدشين ميناء في غزة. لكن الأخيرة لم تبد أي حماسة للكشف عن طابع الضغوط الإقليمية والدولية التي تمارس على إسرائيل للحيلولة دون تطبيع علاقاتها مع تركيا. فقد عاد مركز "أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي للتأكيد على دور نظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في إحباط فرصة التوصل إلى اتفاق مع أنقرة، من خلال رفضه أن يتضمن هذا الاتفاق أي بند يسمح بتحسين الظروف الاقتصادية في قطاع غزة.
اقرأ أيضاً: عودة الاتصالات بين تركيا وإسرائيل لرفع تجميد العلاقات الدبلوماسية
وفي ورقة تقدير موقف نشرها المركز على موقعه، أخيراً، وأعدها الباحثان جيلا ليندشتراوس ويوئيل غوزينسكي، نوّه المركز إلى أن نظام السيسي يبدي حساسية إزاء تحسين الظروف الاقتصادية في قطاع غزة، خشية أن يعزز هذا التطور مكانة حركة حماس، فضلاً عن أنه يرفض أن يتم منح أنقرة أي دور في قطاع غزة، لأن هذا الدور سيقلّص من قدرة القاهرة على التعاطي مع غزة.
ومن الواضح أن ما يدفع إسرائيل إلى منح هذا الثقل لموقف نظام السيسي هو العوائد الاستراتيجية الهائلة التي تجنيها تل أبيب من العلاقة مع هذا النظام، والتي لا يمكن للعلاقة مع أنقرة أن توفرها. من هنا، أشار المركز إلى أن إسرائيل تراهن على إمكانية أن تنجح السعودية في تحسين العلاقة بين القاهرة وأنقرة، على اعتبار أن إنهاء الأزمة في العلاقات بين مصر وتركيا سيوفر الظرف الذي يسمح بتحسين العلاقة بين أنقرة وتل أبيب.
كما تبيّن أن الحساسية إزاء تحسن العلاقة بين إسرائيل وتركيا لا تقتصر على مصر. فقد كشفت صحيفة "هآرتس"، أخيراً، عن أن روسيا نقلت رسالة لحكومة بنيامين نتنياهو مفادها بأنها تتحفظ على الاتصالات التي تجري بين تل أبيب وأنقرة لتطبيع العلاقات. صحيح أن الموقف الروسي لا يقوم بدور حاسم في تحديد وجهة الموقف الإسرائيلي من تركيا، إلّا أنه يمنح الموقف المصري مزيداً من الثقل والتأثير. لكن إسرائيل قد تدفع ثمناً اقتصادياً باهظاً لقاء منحها موقف السيسي كل هذا الثقل في تقرير مستقبل العلاقة مع أنقرة. فاستمرار الأزمة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب يهدّد فرص استفادة إسرائيل من احتياطات الغاز لديها.
ونظراً لأن مصر ستستخرج الغاز من حقل "ظهر" (قبل نهاية عام 2017 بحسب تصريحات مصرية رسمية) منذ ما قبل عامين من استخراج الغاز الإسرائيلي من حقل "ليفيتان"، فهذا قد يدفع الدول الأوروبية إلى استيراد الغاز المصري، وهو ما يشكل ضربة قوية لرهانات تل أبيب على عوائد تصدير الغاز. في حين أن هناك فرصة أن تسمح تسوية الخلاف مع أنقرة بتوفير الظروف التي تفضي إلى تصدير الغاز الإسرائيلي لتركيا، التي لا يمكن أن تلجأ إلى استيراد الغاز المصري.
اقرأ أيضاً: يعالون يشترط إعادة جثامين جنود الاحتلال للمصالحة مع تركيا