طائرات لا تسمع أنفاسها!
كم انفجارٍ أتت به الطائرات وأنا مأخوذة بهذا الجمال..؟! كنت أسمعها إيقاعاً منتظماً تخفي في إثره النجوم فتنتها وأحلامنا بوميض آسر كغجرية فاتنة تراود مفتونها بطرف فستانها.
رفعت رأسي فرأيته معلقاً في لوحة ذات إطار أخضر، لم أجد صورة! وجدت روحاً مشنوقة باتساع أحلامها.. رأيته ينظر إلى الأفق بحدقتين ضيقتين، لم أجد حينها فضاء أضيق من ذلك، أراه بعيني ولا يراه.
لا أدري متى قتل! مكتوب على اللوحة "استشهد في مأرب 2015".. هكذا ببساطة، استيقظ ذات يوم ودع أهله وجيرانه، سلم على جدران بيته، ذهب بعزم!
رحل عنهم بيقين العائد بأحلام تختلف عن تلك التي بهتت وكان يحلم بها.. ترى ما الذي كان يحلم به؟!
لا لا لم يكن يحلم بحور الجنة، كان يحلم بحور الجيران التي فارقته منذ فترة أو كان يحلم بأحد قريباته التي لم يوافق أهلها على زواجه منها.. رفض احتضان أمه واعتلى كبرياءه وردد في قرارة نفسه "أنا عائد.. لن تهزمني خيالات الطفولة وقد أصبحت رجلا".
كان طفلا يحارب الظل والنور، يلعب بالمرايا وانعكاس الشمس على الجدران ليخرج رأس الأفعى من ثغور الجدران.. كان كل شيء بين يديه، وفضل ترك كل شيء ليعبث بقطعة معدنية وقليل من الرصاص.. لم يكن يقصد! كان يظنها خشبا وطينا!
أحب أمه، أخواته، إخوانه.. كان يدلل الصغير.. ربما كان هو أصغرهم.. لعله كان بكر والده المتوفى الذي ترك له ثروة كبيرة من الفقر والمسؤوليات... ولن ننتهي.
*** ***
نستطيع خذلان أنفسنا عندما نجد السيىء فينا فننهال عليه بالشتائم ونترك الجميل لنتذكره بعد موته.
فكرت يوما في البناء؟ لا أحد يفكرُ في البناء! البناء باهظٌ جدا، ينتزع من الروح والجسد والجيب.. فكيف ببناء الروح والإنسان..!
جربتها ذات يوم، وشعرت بوهن الأيام والسنوات التي نعدها ولا تنجب للحياة شيئا.
جربت أيضا كيف أن الروح قابلة للهدم حين تتعرض لانفجارات صغرى وكبرى وعرفت كيف يقاس الألم بمدى صراخي وضجيجي حين لا أجد إجابة غير تردد الصدى.
أن لا أكتب هذه المرة فكلما مرت طائرة .. تُحدث انفجاراً وتقذف لي بومضة تُبعثرني بيني وبين نقطة في آخر السطر.
للطائرة صوت ولكنها صماء! هي عوجاء، تحب الضجيج في كل حالاتها، تشبه ذلك الأبله الذي لا يحسن الإصغاء إلا لنفسه!
لو سمعت صوتها..؟ لو أدركت أنها تُهشم سكينة الليل، لأسكتت نفسها إلى الأبد.
سمعتم الطائرات المقاتلة؟ هي رئة عاشقٍ دفن رأسه بجذع شجرة ميتة ليحيك زهرة يزين بها قلبه.. فقبره.