هبطت أمس السبت أول طائرة روسية في منتجع أنطاليا السياحي التركي، لتقل، فضلاً عن 190 سائحاً، ترجمة عملية لعودة العلاقات، بعد أن قطعت روسيا في نوفمبر العام الفائت علاقتها بتركيا، وفرضت عقوبات كادت تصل للغاز والمواجهة، أيضاً بسبب طائرة أسقطتها تركيا، بعد أن اخترقت أجواءها.
ربما لا يندرج خبر هبوط الطائرة الروسية بتركيا، ضمن الأحداث العادية، بل قد يصل لمستوى تأريخ جديد، لما لعودة العلاقات بين الجارين من أهمية، إن بدأت من حجم تبادل يزيد عن 30 مليار دولار والطموحات والخطط قائمة لوصوله لمائة مليار، لا تنتهي عند نزع فتيل أزمة، لن يقتصر تطاير شررها لو حدثت، على جغرافيا واقتصاد البلدين، بل ستتأذى شعوب المنطقة من النيران، وربما السوريون في مقدمتهم، بعد أن رُبط مصيرهم وثورتهم بأطراف خارجية، ربما موسكو وأنقرة في طليعتهم.
ثمة قراءات عدة لعودة روح العلاقات الروسية التركية، بيد أن الصدارة للسياحة ربما، ليس لأنها تدر على تركيا 6 مليارات دولار عبر نحو 4 ملايين سائح روسي كانوا يقصدونها قبل طائرة القطيعة، بل لأن تركيا اعتمدت ومنذ نحو عقد من الزمن، أن تحمّل على السياحة خططها وتطلعاتها لبلوغ الهدف في 2023.
قصارى القول: ربما من يعرف أهمية ومساهمة السياحة بالاقتصاد التركي، وما يُحمّل عليها من ترويج، حتى للقيم والروحانيات والسياسة، يعرف أسباب التصميم التركي لإنهاض سياحتها من تحت رماد كل تأزم وتفجير، وإن عبر البراغماتية السياسية أحياناً، ويقدر مدى التخطيط والتصميم، الذي يسعى له "الأعداء" الذين لا يمكن حصرهم بتنظيم كردي أو "داعش" وإن سارعت تلك التنظيمات لتبني التفجيرات، فما جرى ويجري من اختراقات، رغم محاولات الحيطة واليقظة، إنما يدلل على مساعي دول لا عصابات، ليس في مصلحتها استعادة تركيا لعلاقات الأمس، أو عودة الروح إلى اقتصادها.
ليس للمصادفة من مكان، في تكرار التفجير واستهداف السياحة، كما ليس من تراخ في ما توليه تركيا، لاستعادة دورها كقبلة للسياحة، مع وبعد كل استهداف، إذ ثمة خطط وتصميم، تؤكد أن التعاطي مع الصناعة دون دخان، من مبدأ نكون أو لا نكون.
فعودة الدور لقاطرة الاقتصاد التركي، حتى قبل هبوط طائرة السياح الروس، لم يقتصر هذا العام المكتظ بالتفجيرات، على حملات دعائية تستهدف سياحاً من دول لم تك سابقاً بخطط الترويج، ولا حتى لأماكن ومقاصد، ظُلمت فيما مضى أمام اسطنبول وبورصة وأنطاليا وازمير، ولعل في تسويق مدن سواحل البحر الأسود، التي جاءت بإشراف رئيس الدولة نفسه، من طرابزون وسينوب وريزة وسامسون وأورودو وغيراسون وآرتفين وبايبورت وغوموشهانة، هو بعض المعلن منه.
إذ ما يسمى بتركيا "إحياء السياحة" الآن، دليل واضح من خلال الاسم، على اعتراف تركي بمرض إن لم نقل محاولات القتل، ما فرض إعادة الإحياء التي لم تقتصر، وفق ما أعلن، على تقديم 255 مليون ليرة كدعم إضافي هذا العام للسياحة أو دعم مالي مباشر للوكالات السياحية أو تسهيلات وقروض مصرفية تصل لمئة ألف ليرة لأي وكالة تستقطب 400 ألف سائح، بل وصل الأمر للانحناء أمام عاصفة الاستهداف، لإبعاد السياحة والاقتصاد.. وتركيا برمتها عن دوائر النار.
نهاية القول: أجل قد تصل حادثة هبوط طائرة السياح الروس لمستوى التأريخ، لأن أنقرة تعي أن مؤشر الاستهداف، ما كان ليقتصر على تراجع عدد السياح من نحو 41.5 مليون سائح عام 2014 إلى أقل من 36 مليوناً العام الفائت، أو حتى على ما تدره السياحة من عائدات قدرت العام الفائت بنحو 31 مليار دولار، في واقع الحوامل والآمال، على قطاع السياحة يضعها المخطط التركي، وربما على الروسي بالمقدمة، إن بدأت من تسويق تركيا الدولة، كنمر اقتصادي وسياسي صاعد، لا ينتهي عند ما تجره السياحة، أو تساهم بفاعلية فيه، إن من استثمارات أو تبادل تجاري، لتساهم هذه الثلاثية "تبادل تجاري، استثمار وسياحة" بنحو 400 مليار دولار سنوياً، وهو أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي.