ويأتي الهجوم على مقرّ مؤسسة النفط الوطنية في طرابلس، فيما تعيش العاصمة الليبية، منذ أقلّ من أسبوع، وقفاً هشّاً لإطلاق النار، بعد جولة معارك دامية بين مليشيات متصارعة على النفوذ، وفي ظلّ إمكانية استغلال جماعات متطرفة للفوضى الحاصلة، فيما لم تتضح بعد أبعاد وملابسات وأهداف السيطرة الجديدة للفصائل المسلحة في طرابلس، في إطار الصراع الليبي الأوسع.
ودانت وزارة الداخلية الليبية الهجوم، في بيان رسمي لها، معتبرة أنه "يهدف إلى خلط الأوراق وتفويت الفرصة على الليبيين لاستكمال العملية الديمقراطية وزعزعة الأمن والاستقرار داخل العاصمة طرابلس"، داعية "جميع الفرقاء للوقوف صفاً واحداً ضد كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن".
تفاصيل الهجوم
وقال وزير الداخلية في حكومة الوفاق، عبد السلام عاشور، لـ"العربي الجديد"، إن المجموعة المهاجمة تتكون من ستة أشخاص، هاجموا مقرّ المؤسسة بشكل مفاجئ، مستخدمين أسلحة متوسطة، مؤكداً أن قوات الأمن لا تزال تحاصر المبنى الذي يوجد بداخله المهاجمون.
ورداً على الأنباء المتداولة حول تفجير بعض المهاجمين أنفسهم، قال عاشور إن المعلومات المتوفرة حتى الآن لم تسمح بالتحقق من هذه الأنباء، مؤكداً في الوقت ذاته أن أجهزة الأمن تسيطر على معظم أجزاء مقر المؤسسة ومحيطه.
من جهتها، أكدت "قوة الردع الخاصة" التابعة لحكومة الوفاق، أن الهجوم المسلح على مؤسسة النفط يقف خلفه تنظيم "داعش".
ونشرت القوة، على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، صور أشلاء المسلحين "الانتحاريين الذين تم العثور عليهم"، مؤكدة كذلك إخلاء المبنى من الموظفين والمدنيين.
وفي رد على "قوة الردع"، وهي أحد أطراف الصراع المسلح في طرابلس، وجد "اللواء السابع"، الطرف الآخر في الصراع، الفرصة سانحة لاتهام خصومه بالفشل في تأمين العاصمة، معتبراً في بيان، أن "ما حدث اليوم من خرق أمني يثبت بأن المليشيات التي تتحصل على الميزانيات الضخمة عبر ابتزاز الحكومة ستظل فاشلة وغير قادرة على حماية المواطن ومؤسسات الدولة".
إلى ذلك، أكد مصدر من مؤسسة النفط خروج معظم الموظفين من المبنى الذي تعرّض لأضرار بالغة، وسط محاولات فرق الإطفاء لإخماد نيران اشتعلت في أجزاء منه.
بدوره، وصف مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الليبية للنفط في طرابلس، والذي كان موجوداً داخل المقر لدى وقوع الهجوم، ما جرى بـ"المريع والمفاجئ"، مؤكداً مغادرته المبنى مع حرّاسه "من بين الدخان والرصاص المتطاير".
وأكد صنع الله، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، سقوط قتلى وجرحى، بعضهم إصاباتهم بالغة، من دون تحديد عددهم.
من جهتها، أكدت إدارة شؤون الجرحى في وزارة الداخلية سقوط قتيلين و10 جرحى جراء الهجوم، فيما نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر أمني تأكيده مقتل اثنين من موظفي المؤسسة الوطنية للنفط، واثنين من المسلحين في الهجوم، من دون أن يوضح ما إذا كان المسلحون المقتولون انتحاريين أم لا.
Twitter Post
|
بدورها، أعلنت إدارة الصحة والسلامة في شركة "مليتة للنفط والغاز"، إخلاء وتسريح كل الموظفين العاملين في مقرات الشركات القريبة من محيط المؤسسة الوطنية للنفط.
"داعش" المستفيد الأول
من جهته، حذر مسؤول رفيع المستوى في جهاز المباحث العامة بطرابلس من خطر تنظيم "داعش" ومقاتليه وإمكانية استهداف مواقع حيوية أخرى .
وكشف المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن انتشار خلايا للتنظيم في أحياء بالمدينة، لا سيما في ظل الفوضى الحالية. وقال إن "التنظيم بحسب الدراسات، بدا ينحو باتجاه استراتيجية جديدة تعتمد التخفي والانصهار بين المدنيين في انتظار ساعات معينة لتنفيذ هجوم واغتيال"، لافتاً إلى أن عناصر التنظيم "باتوا يتنقلون بحرية بين طرابلس ومناطق لا يزال داعش يعسكر فيها، كجنوب شرق بني وليد (180 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس).
وأكد المسؤول على الخطأ الكبير الذي تتضمنه خطط الحكومة بشأن مواجهة خطر التنظيم، لافتاً إلى أن "الحكومة دعمت قوات البنيان المرصوص في حربها على داعش في سرت عام 2016، لكنها لم تحسب حساب الفارين والأمكنة التي من الممكن أن ينتقلوا إليها، لذلك فهي لم تضع خططاً لمرحلة ما بعد انهيارهم في سرت"، مؤكداً أن أجهزة الأمن، وعلى رأسها "قوة الردع الخاصة" داهمت أكثر من منزل وسط طرابلس في أكثر من مناسبة، وقبضت على عناصر لـ"داعش" كانوا بصدد الإعداد لعمليات انتحارية.
لكن الجيلاني ازهمية، وهو محلل سياسي ليبي، لفت إلى جانب آخر في هجوم اليوم، قائلا إن "الهجوم له دلالة ورمزية، إذ إن استهداف مؤسسة النفط لن يوقف إنتاج وتصدير النفط ولكنه يرمز لعصب الحياة في البلاد، كما أن داعش يواكب مسار أي تقارب في البلاد، فلدى الحديث عن الانتخابات وفي أوج الإعداد لها، استهدف مقر مفوضية الانتخابات في طرابلس، والآن تحديداً فإن الصراع الدامي في طرابلس هو في حقيقته حول المال والإصلاحات الاقتصادية التي تعكف عليها الحكومة، ومن بينها رفع مستوى إنتاج النفط، فقام داعش باستهداف مقر المؤسسة".
ورغم عدم تبني "داعش" للهجوم حتى الآن، إلا أنه كان قد أعلن عن مسؤوليته عن هجمات عدة نفذها في العاصمة، بدءاً من الاعتداء على مقرات البعثات الدبلوماسية عامي 2014، 2015، بالإضافة لهجوم على فندق "كورنثيا" في يناير/ كانون الثاني 2015، والذي راح ضحيته خمسة ليبيين وخمسة أجانب، وقد استهدف في مايو/ أيار الماضي مقر مفوضية الانتخابات مخلفاً 15 قتيلاً.
مؤسسة النفط في سطور
تأسست المؤسسة الوطنية للنفط عام 1970، لتكون المظلة القانونية والفنية التي تشرف على إنتاج وتصدير النفط الليبي، الذي يشكل أكثر من 90 في المئة من مصادر دخل ليبيا. من أهم شركاتها "الواحة" و"الخليج العربي" و"سرت" و"الزويتينة"، بالإضافة لـ"البريقة" التي تعتبر أكبر الشركات المنتجة للنفط.
ورغم وقوعها في قلب تجاذبات الانقسام السياسي منذ العام 2014، إلا أنها حافظت على حيادها. ويعتبر قرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر القاضي بنقل اختصاصات التصدير والإنتاج لمؤسسة موازية في بنغازي، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، أكبر تهديد للمؤسسة، قبل أن يتراجع عنه تحت ضغوط دولية منتصف يوليو/ تموز.