بموازاة انطلاق التصفيات الحزبية الخاصة باختيار المرشح الرسمي لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لسباق البيت الأبيض، برزت تطورات جديدة في التحقيق المتعلق برسائل البريد الشخصي لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، التي تسعى لتمثيل الحزب الديمقراطي. وكشفت الخارجية الأميركية أن بعض الرسائل الصادرة عن بريد كلينتون كانت تحمل معلومات سرّية للغاية.
اقرأ أيضاً: الانتخابات الأميركية: معارك جمهورية فرعيّة... واليسار يتحدى هيلاري
تطور يتوقع أن يؤثر على نتائج التصفيات التمهيدية التي انطلقت اليوم في ولاية أيوا، كما يفتح المجال أمام مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركي "أف بي أي" للتحقيق مع كلينتون، وإحالتها إلى المحاكمة، وهو ما يقلص حظوظها تماماً في الوصول إلى الرئاسة، ويُلحقها بزميلها الجمهوري جيب بوش.
وفي حال استُبعدت هيلاري، فإن هذا يعني أن مزاج الناخب الأميركي لم يعد يقوم، كما السابق، على الرغبة في التخلّص من الوجوه التاريخية.
ولعلّ هذا ما يميز الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام الجاري 2016، إذ خرجت الحملات فيها عن الطابع التقليدي للمنافسة بين المحافظين والليبراليين، أو بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلى تنافس من نوع آخر، بين المؤسسات الحزبية القائمة، واللاعبين الجدد القادمين من خارجها أو الثائرين عليها.
طوال الثماني سنوات الماضية، كانت غالبية التوقعات تشير إلى أنّ المؤسسة الحزبية الجمهورية يمثلها مرشحها المفضل جيب بوش، بلا منافس حقيقي له من خارج المؤسسة الحزبية. وظلت مختلف التوقعات تشير إلى أن الحزب "الديمقراطي" ستمثله بلا منازع هيلاري كلينتون، أو من ينافسها من داخل المؤسسة الحزبية مثل نائب الرئيس جو بايدن أو من تدفع به المؤسسة نفسها.
لكن على عكس التوقعات، حقق اللاعبون القادمون من خارج القوى التقليدية داخل المؤسستين الحزبيتين نتائج أولية مفاجئة لصالح المتطرفين داخل كل من الحزبين، على حساب التيار الوسطي في كليهما.
وهكذا، بات من المحتمل أن يمثل الحزب "الديمقراطي" مرشح لا يرغب به الحزب هو السيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز، وأن يمثل الحزب الجمهوري مرشح من خارج أطر الحزب تماماً هو رجل الأعمال النيويوركي دونالد ترامب، أو من يليه حالياً من المتنافسين الصاعدين المعروفين بتطرفهم نحو اليمين ومعارضتهم الثورية على مؤسستهم الحزبية.
وفي حال حدوث ذلك، فإن فوز ساندرز بالرئاسة يعني تلقائياً استمرار سياسة باراك أوباما التي شارك ساندرز في رسمها. في حين أن فوز ترامب المحتمل بالرئاسة لن يعني سوى الانقلاب الكامل على سياسات أوباما الخارجية باستثناء ما يتعلق بالعراق وسورية. إذ إن ترامب يخالف الجمهوريين، ويتفق مع أوباما في سياسة الانكفاء عن مشاكل العراق وعدم التورط بإرسال قوات أميركية. بل يزيد عن ذلك بدعوته لتوريط روسيا بصورة أكبر في سورية، ودفعها إلى تحمل نصيبها من محاربة الإرهاب وتكرار تجربة أفغانستان التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي، بحسب اعتقاده.
تنافس ثلاثي وبرامج متضادة
يتنافس على تمثيل الحزب الديمقراطي ثلاثة مرشحين فقط. وينحصر التنافس الفعلي بين اثنين منهم، هما الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون المعروفة بتفضيل مؤسسة الحزب لها، وعضو مجلس الشيوخ اليساري بيرني ساندرز الذي يأتي ترشيحه تكراراً لتجربة أوباما التي قضت على طموح كلينتون في انتخابات 2008.
في المعسكر الجمهوري، تزخر قائمة المتنافسين، ومعظمهم حكام ولايات وأعضاء في مجلس الشيوخ. لكن استطلاعات الرأي الأخيرة قبل بدء التصفيات الحزبية في ولاية أيوا، ظلت تؤكد أن التنافس الفعلي ينحصر بين ثلاثة جمهوريين فقط، جميعهم يتبنون أفكاراً يمينية متطرفة وهم ترامب القادم تماماً من خارج الوسط السياسي، وعضوا مجلس الشيوخ الثائران على المؤسسة الحزبية الجمهورية التقليدية تيد كروز وماركو روبيو. وفيما يأتي استعراض لتوجهات هؤلاء الخمسة الذين يخوض اثنان منهم غمار المنافسة الحقيقية بين الحزبين الكبيرين في أواخر يوليو/تموز المقبل:
كلينتون وساندرز
تدعو المرشحة هيلاري كلينتون، إلى تكثيف الضربات الجوية على تنظيم "داعش"، معتبرة أن الحرب ضدّ التنظيم عالمية يجب على الولايات المتحدة أن تقودها. لكنها تعارض التورط في مواجهات برية. وتهاجم منتقديها الجمهوريين، الذين يطالبون بمنع دخول اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأميركية. وترفض تسمية الإرهاب بالإسلامي، مشيرة إلى أن مثل هذه الأوصاف "تمنح المجرمين والقتلة ما لا يستحقونه". وتختلف كلينتون عن أوباما في رفضه فكرة فرض منطقة حظر جوي فوق سورية.
وإذا تغلب السيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز على هيلاري كلينتون فقد يصبح أول رئيس يهودي للولايات المتحدة في تاريخها. رغم ذلك، برز من خلال رفضه في مارس/آذار الماضي حضور خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي. وهجومه الدائم على حكومة الاحتلال.
دونالد ترامب
منذ وقت مبكر، أبدى رجل الأعمال ترامب معارضته لغزو العراق، ويعارض حالياً التورط في سورية، ويروج لسياسة إغلاق الحدود، والانكفاء عن مشاكل العالم وتركيز العمل على استعادة الأميركيين لقوتهم الاقتصادية.
واتخذ ترامب استراتيجية فاشية عنصرية، مزعجة للوسط السياسي، لكن لقيت صداها لدى الغالبية البيضاء، التي وجدت نفسها محاطة بكل مصادر الرعب من "غزو لاتيني"، مروراً بـ"خطر إرهابي إسلامي"، و"يهود سيطروا على مفاصل القرار السياسي"، و"آسيويين هيمنوا على المقدرات الاقتصادية"، وصولاً إلى أميركيين أفارقة.
كروز وروبيرو
السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس، مولود في كندا، ما يجعل مسألة ترشيحه موضع جدل قانوني. أما السيناتور ماركو روبيو من ولاية فلوريدا، فهو من أصل كوبي لجهة والده ووالدته. ينتمي كلاهما للتيار المتطرف نحو اليمين في الحزب الجمهوري، ويميلان لاستخدام القوة الأميركية في الخارج وشن حرب شاملة مجدداً في العراق وسورية بقوة برية ضاربة، فضلاً عن انتقادهما للانسحاب الأميركي من العراق، وتبني سياسة متشددة تجاه الحلفاء العرب بحجة تشجيعهم للتطرف الإسلامي.
يوليو الحاسم
من المقرر أن يقام المؤتمر العام للحزب الجمهوري في الفترة من 18 إلى 21 يوليو/ تموز في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو. وفي الأسبوع الذي يليه، يقام المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في الفترة بين 25 و28 يوليو/تموز 2016 في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا. وخلال المؤتمرين يتم الإعلان رسمياً عن مرشح الحزب للبيت الأبيض.
اقرأ أيضاً: يوتيوب يستضيف مناظرة بين كلينتون ومنافسها القوي ساندرز