"الدراسات الاجتماعية هي المواد الدراسية التي تهتم بدراسة الإنسان وعلاقته بالبيئة المحيطة به وتأثيره فيها وتأثره بها كما تهتم أيضا بحياة الإنسان في الماضي والحاضر والتخطيط للمستقبل" هكذا يستهل التلاميذ المصريون الذين لم يتموا عامهم التاسع بعد كتاب الدراسات الاجتماعية في الصف الرابع الابتدائي ليستكملوا معه حفظ وترديد الكثير من التعريفات وكتابتها دون مساعدة، وعلى الأرجح فهذا التلميذ لم ينل قسطا وافيا من الشرح يؤهله لفهم ما يحفظه.
يتناول كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الدراسي الأول في الفهرس الخاص به موقع مصر وأهميته وحدودها الجغرافية وسطح مصر والمناخ والنباتات بها والنمو السكاني وتوزيع السكان على خريطة مصر، وكذلك دراسة الحضارة المصرية القديمة، وفي نفس السنة الدراسية يبدأ أيضا بـدراسة العلوم فيعرف المادة وأشكالها والكواكب وأنواعها وطبيعتها والنجوم وحركة الشمس والأرض والغلاف الجوي دون تطبيق عملي.
وبالتزامن مع شكاوى أولياء الأمور من صعوبة هذه المناهج على أطفالهم، تدرس وزارة التربية والتعليم المصرية مقترحا بتدريس هاتين المادتين لطفل الصف الأول الابتدائي ابتداء من العام الدراسي المقبل 2017 / 2018، فهل يمكن تبسيط هذه المعلومات الجافة لطالب الست سنوات وكيف؟
مهارات القراءة والكتابة
لم يلق هذا المقترح قبول الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي الذي أكد أهمية التدرج في
تعليم الأطفال وأن الصيغة الأولية في التعليم يجب أن تعتمد فقط على مهارات القراءة والكتابة والمهارات الأولية في الحساب، وهذا هو الهدف الرئيسي لسنوات التعليم الأولى، ويتساءل مغيث: كيف نتحدث عن مناهج للعلوم والدراسات الاجتماعية ولدينا مليون ومئتا ألف تلميذ في المرحلة الابتدائية لا يجيدون القراءة والكتابة، و403 آلاف طفل بين الصف الثالث والرابع الابتدائي يحصلون على "صفر" في الإملاء، بحسب تصريحات الوزير.
ويتابع: زرع الولاء لا يحتاج إلى زيادة العبء على الطفل والأسرة وتحميل عبء أكثر على المدرسين لأن الوزارة لا تملك ضخ مدرسين جدد للصفوف الأولى ولا تملك الميزانية الكافية لجعل المادتين نشاطاً ممتعاً وزيارات للمتاحف والأماكن الأثرية والتاريخية أو المزارع والمحميات الطبيعية، ويضيف: بتفكير بسيط يمكن إدخال معلومات عن الوطن وحدوده ومعلومات تاريخية وعلمية ضمن مهارات القراءة والكتابة كأن تحتوي دروس القراءة في اللغة العربية على معلومات تاريخية وجغرافية وعلمية بسيطة بدلا من إلهاء أولياء الأمور بتقليعات ومسميات والابتعاد يمينا ويسارا عن الهدف الحقيقي من العملية التعليمية والأولويات الحقيقية من رفع مهارات المعلم.
المنهج الحلزوني
ويتفق في الرأي دكتور صلاح الدين عرفه، أستاذ المناهج وطرق التدريس، مؤكدا أن كل ما تعلنه الوزارة كلاما لا يستند إلى الواقع والمطلوب منه إرضاء الجمهور، موضحا أن الطفل في هذه المرحلة العمرية مطلوب منه فقط إتقان مهارات القراءة والكتابة ومبادئ الحساب.
ويضيف: بعد إتقان مهارات القراءة والكتابة يجب إتباع المنهج الحلزوني وهو عبارة عن دوائر تشمل معلومات في تخصص معين وكل دائرة تتسع عما قبلها وكلما نضج الطفل نوسع الدائرة وهكذا، فلا نفاجئ التلميذ في الصف الرابع بمنهج غليظ من العلوم والدراسات يحتوي على كم ثقيل جدا من المعلومات دفعة واحدة ونسبب له ما يعرف بـ "صدمة المدرسة" والتي
أصبحت حالة شبه دائمة لدى الأطفال، بل نبدأ بدائرة صغيرة تحتوي على المبادئ على أن تتسع الدائرة مع بداية المرحلة الإعدادية وهكذا.
ويوضح صلاح الدين: نتمنى اهتماما حقيقيا بالطفل في المدرسة وهناك أنشطة بسيطة تعتمد على مجرد الملاحظة كأن يلاحظ من أين تشرق الشمس أو يكلف بزراعة حبة وملاحظة مراحل نمو النبات وأجزائه وغيرها من هذه الأنشطة البسيطة القائمة على اللعب بعيدا عن المصطلحات والمفاهيم العلمية أو مواد مطبوعة تضيف ثقلا على حقيبة تلميذ في الصف الأول لم يعد بها مساحة كافية لمطبوع إضافي.
ويتمنى صلاح الدين أن تعود مدارسنا إلى سابق عهدها عندما كانت مكانا محببا ومكانا تنويريا فيه ندوات وجلسات تناسب كل مرحلة وكانت المدرسة تحدد وقتا لدراسة المنهج وباقي اليوم للأنشطة العلمية وتنمية الإبداع من خلال جماعات الخطابة والشعر والنادي الثقافي والنادي العلمي، ويواصل: لن يكون ذلك إلا بالاستفادة من خبرات الدول الأخرى والتخلي عن حبس الطفل في دائرة من المطبوعات والمناهج العقيمة، فهناك دول لا يتسلم طفل الصف الأول والثاني والثالث الابتدائي غير كتاب واحد لكل صف، والمدرسة هي من تخطط لأنشطة يمارسها الطفل خلال اليوم الدراسي وقصص مسلية، ويشتمل الكتاب على كل المهارات الأساسية في الحساب والعلوم والدراسات ولغته الأم وفن التلوين، وتوجد مثلاً في أحد صفحاته شجرة عليها عصافير وهنا يعرف الطفل أن الشجرة هي التي تطلق الأكسجين في الهواء، ويقوم بعدّ العصافير على الشجرة وكتابة العدد، ويلوّن الشجرة والعصافير عليها ويحسب طولها ويكتب سطراً بلغته عن الشجرة.
بين الرفض والقبول
وفي السياق نفسه، قامت صفحات "ثورة أمهات مصر" على مواقع التواصل الاجتماعي والتي أنشئت لمحاربة مساوئ التعليم في مصر والمطالبة بتخفيف المناهج، بتثبيت منشور في صورة استطلاع للرأي حول هذا المقترح، وانقسمت آراء الأمهات والآباء من حيث القبول والرفض، فعلقت رشا المندوه: "يفترض أن يعرف الطفل مبادئ بسيطة في الدراسات الاجتماعية حتى تترسخ لديه الهوية الوطنية، وتوافقها في الرأي "داليا الشربيني" بشرط أن تكون مجرد رسوم وشرح بسيط مسل بدون حفظ مرسل تجنبا للصدمة التي يعاني منها الأطفال عندما تفاجأ بمادتي العلوم والدراسات في الصف الرابع الابتدائي".
وعلى جانب آخر، ترفض شيماء رفعت وترد: "هذه المواد ما هي إلا عبء إضافي على طفل لم يعد لديه الوقت الكافي للعب والتسلية، وما تعلنه الوزارة نشاطا سيتم تطبيقه بشكل عقيم ويتحول سريعا إلى مادة أساسية ومعلومات ثقيلة يضطر الطفل لحفظها". ويتساءل معاذ معتز: "لماذا تتعمد وزارة التربية والتعليم إحباط التلاميذ وأولياء الأمور إلى هذا الحد! لماذا تفكر في مزيد من الأنشطة رغم عدم تمتع الأطفال بالأنشطة الموجودة بالفعل، فحصة الألعاب تأخذها مدرّسة الإنجليزي لتنجز المنهج وحصص الرسم مجرد مسميات في الجدول دون اهتمام بتعليم فن الرسم والتلوين أو اكتشاف المواهب". ويسخر رضا الدسوقي من الفكرة فيعلق: "أوافق على تعليم الأطفال الإنجليزية كما يجب والعبرية والفارسية أيضا، فربما نحتاج إليها في حروبنا القادمة".