04 نوفمبر 2024
ظلم الصحافة أبناءها
إذا مررت في أحد شوارع القاهرة، عليك تجنب أي خلافٍ مع قائد أي سيارة أجرة، سواء تاكسي أو نقل جماعي. لأن نظراءه السائقين قد يفتكون بك، دفاعاً عن زميل المهنة، بغض النظر عمن يكون المخطئ. كذلك الأمر إن كنت في حي "الصاغة" الشهير، أو في مشفى أو مدرسة. وهكذا حال أهل كل مهنة في مواجهة من ليس منهم.
غير أن هذا التكتل سرعان ما ينزوي، ويتحوّل إلى صمتٍ مخزٍ عندما يتعرّض بعض أبناء المهنة الواحدة إلى الاعتقال، أو أي مضايقات أمنية. وحين يكون هذا الموقوف، أو الملاحق أمنياً، صحافيا أو حقوقيا أو أحد الناشطين في المجال العام، فإن الخزي يرتقي إلى درجة العار في حق من يسمون أنفسهم حقوقيين أو إعلاميين أو مدافعين عن حرية الرأي. وفقاً لتقارير منظمات حقوقية مصرية ودولية، تعرّض الصحافيون المصريون لمئات الانتهاكات خلال العامين الماضيين. ومن ذلك أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات رصدت منها 658 انتهاكاً، تضمنت 258 حالة منع فيها الصحافيون من ممارسة العمل، و138 اعتداء بدنيا، و118 حالة توقيف. وتقول نقابة الصحافيين المصريين إن عدد المعتقلين من أعضائها بلغ 32 شخصاً، خلاف ممارسي المهنة من غير أعضاء النقابة. وفي النصف الأول فقط من 2015، وصل عدد الصحافيين المحبوسين احتياطياً إلى 60، وفقاً لمنظمة هيومان رايتس مونيتور. صحيح أن معظم هؤلاء موقوفون قضائياً. ولكن، لا تقدم يذكر في إجراءات التقاضي، ويتم تجديد الحبس الاحتياطي، من دون أفق زمني محدد.
وبغض النظر عن الأعداد ونوعية الممارسات، تتسم مواقف نقابة الصحافيين المصريين في الدفاع عن أبناء المهنة دائماً بالتشوه والتشوش، فهي إما انتقائية، سريعة قوية في حالة، وضعيفة خجولة في أخرى. أو مترددة بين حرج موقفها أمام أعضائها، وخشية الدخول في صدامٍ مع السلطة. وأحياناً تبرّر النقابة تخاذلها بأن الصحافي الموقوف، أو المختفي، ليس عضواً فيها، وهو تبرير مقبول قانوناً، مدان أخلاقياً ومهنياً.
ليست المشكلة فقط في مجلس النقابة الذي يدير ويتحرّك باسمها باعتبارها تنظيماً مهنياً، وإنما في المشتغلين أنفسهم، فالجماعة الصحافية ككل (الأفراد والشلل) لا تتبنى موقفاً مبدئياً واحداً، سواء تجاه ما يتعرّض له الصحافيون، أو تجاه التراجع الهائل لحرية التعبير التي يفترض أنها أساس العمل الصحافي والإعلامي، وحق لأفراد المجتمع بشكل عام.
الأسوأ من ذلك، الازدواجية القميئة التي تتسم بها مواقف مشتغلين كثيرين في المجال العام. فإذا كان المعتقل أو المحبوس احتياطياً ينتمي لتيار معين، أو شخصية شهيرة لها معارف وشبكة علاقات واسعة، يتحرّك من أجله التيار أو المعارف والأصدقاء. بينما الصحافي أو الحقوقي أو أي مواطن ليس شخصية معروفة، وليس جزءاً من شلة، أو تيار يدافع عنه، فليلق مصيره أياً كان.
آخر أمثلة ذلك التناقض، التعاطف الواسع والحملة الإلكترونية المساندة للباحث والناشط الاجتماعي، هشام جعفر. بينما لا ذكر تقريباً للصحافي حسام السيد زميله في المؤسسة نفسها، والذي تم توقيفه في التوقيت والسياق نفسيهما. هشام يستحق المساندة، ولكن يستحقها مثله، حسام وكثيرون غيرهما (حسن القباني، محمود مصطفى، إبراهيم الدراوي، محمد البطاوي،...وآخرون). لكنها الازدواجية والعوامل غير المهنية، وغير النقابية، التي تدفع باتجاه الدفاع عن شخصٍ، وتجاهل آخر من المهنة نفسها وفي الظروف نفسها.
المسألة، إذن، لا مبدأ ولا مهنة، فتلك الكيانات (النقابات المهنية والاتحادات العمالية) ليست سوى هياكل ديكورية قائمة منذ عقود. لاستكمال الواجهة المؤسسية، اشتراكية كانت أو ليبرالية. وإذا بقيت هذه الكيانات على حالها، تكميلية تجميلية، سينصرف عنها أعضاؤها، فتفقد دورها وتتنكّر لها السلطة وتلفظها.
غير أن هذا التكتل سرعان ما ينزوي، ويتحوّل إلى صمتٍ مخزٍ عندما يتعرّض بعض أبناء المهنة الواحدة إلى الاعتقال، أو أي مضايقات أمنية. وحين يكون هذا الموقوف، أو الملاحق أمنياً، صحافيا أو حقوقيا أو أحد الناشطين في المجال العام، فإن الخزي يرتقي إلى درجة العار في حق من يسمون أنفسهم حقوقيين أو إعلاميين أو مدافعين عن حرية الرأي. وفقاً لتقارير منظمات حقوقية مصرية ودولية، تعرّض الصحافيون المصريون لمئات الانتهاكات خلال العامين الماضيين. ومن ذلك أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات رصدت منها 658 انتهاكاً، تضمنت 258 حالة منع فيها الصحافيون من ممارسة العمل، و138 اعتداء بدنيا، و118 حالة توقيف. وتقول نقابة الصحافيين المصريين إن عدد المعتقلين من أعضائها بلغ 32 شخصاً، خلاف ممارسي المهنة من غير أعضاء النقابة. وفي النصف الأول فقط من 2015، وصل عدد الصحافيين المحبوسين احتياطياً إلى 60، وفقاً لمنظمة هيومان رايتس مونيتور. صحيح أن معظم هؤلاء موقوفون قضائياً. ولكن، لا تقدم يذكر في إجراءات التقاضي، ويتم تجديد الحبس الاحتياطي، من دون أفق زمني محدد.
وبغض النظر عن الأعداد ونوعية الممارسات، تتسم مواقف نقابة الصحافيين المصريين في الدفاع عن أبناء المهنة دائماً بالتشوه والتشوش، فهي إما انتقائية، سريعة قوية في حالة، وضعيفة خجولة في أخرى. أو مترددة بين حرج موقفها أمام أعضائها، وخشية الدخول في صدامٍ مع السلطة. وأحياناً تبرّر النقابة تخاذلها بأن الصحافي الموقوف، أو المختفي، ليس عضواً فيها، وهو تبرير مقبول قانوناً، مدان أخلاقياً ومهنياً.
ليست المشكلة فقط في مجلس النقابة الذي يدير ويتحرّك باسمها باعتبارها تنظيماً مهنياً، وإنما في المشتغلين أنفسهم، فالجماعة الصحافية ككل (الأفراد والشلل) لا تتبنى موقفاً مبدئياً واحداً، سواء تجاه ما يتعرّض له الصحافيون، أو تجاه التراجع الهائل لحرية التعبير التي يفترض أنها أساس العمل الصحافي والإعلامي، وحق لأفراد المجتمع بشكل عام.
الأسوأ من ذلك، الازدواجية القميئة التي تتسم بها مواقف مشتغلين كثيرين في المجال العام. فإذا كان المعتقل أو المحبوس احتياطياً ينتمي لتيار معين، أو شخصية شهيرة لها معارف وشبكة علاقات واسعة، يتحرّك من أجله التيار أو المعارف والأصدقاء. بينما الصحافي أو الحقوقي أو أي مواطن ليس شخصية معروفة، وليس جزءاً من شلة، أو تيار يدافع عنه، فليلق مصيره أياً كان.
آخر أمثلة ذلك التناقض، التعاطف الواسع والحملة الإلكترونية المساندة للباحث والناشط الاجتماعي، هشام جعفر. بينما لا ذكر تقريباً للصحافي حسام السيد زميله في المؤسسة نفسها، والذي تم توقيفه في التوقيت والسياق نفسيهما. هشام يستحق المساندة، ولكن يستحقها مثله، حسام وكثيرون غيرهما (حسن القباني، محمود مصطفى، إبراهيم الدراوي، محمد البطاوي،...وآخرون). لكنها الازدواجية والعوامل غير المهنية، وغير النقابية، التي تدفع باتجاه الدفاع عن شخصٍ، وتجاهل آخر من المهنة نفسها وفي الظروف نفسها.
المسألة، إذن، لا مبدأ ولا مهنة، فتلك الكيانات (النقابات المهنية والاتحادات العمالية) ليست سوى هياكل ديكورية قائمة منذ عقود. لاستكمال الواجهة المؤسسية، اشتراكية كانت أو ليبرالية. وإذا بقيت هذه الكيانات على حالها، تكميلية تجميلية، سينصرف عنها أعضاؤها، فتفقد دورها وتتنكّر لها السلطة وتلفظها.