ظواهر كورونية
الوباء الناشئ عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) الذي اجتاح العالم أخيراً، كشف عن مجموعة كبيرة من الظواهر في الدول العربية، بل وفي العالم بأسره، وهذه الظواهر أظهرت الضعف الإنساني في مواجهة ذلك الكائن المجهري، وكشفت هشاشة بعض الأنظمة والمجتمعات في مواجهة الأزمات، وخاصة الصحية.
الدين وكورونا
ظهور فيروس كورونا (كوفيد-19) في مدينة ووهان الصينية في نهاية العام الماضي فسره بعض المسلمين بأنه عذاب وانتقام من الصينيين (الكفار) الذين يضطهدون المسلمين الإيغور في تركستان الشرقية.
ووجد بعض السذج والبلهاء وأصحاب الأهواء في انتشار فيروس كورنا فرصة سانحة لنشر البدع من قبيل تحديد أوقات معينة لأداء صلوات جماعية أو قراءة عدد معين من بعض السور والأدعية رفعاً للبلاء الذي حلّ بالمسلمين.
وبعض المشايخ بالغ في ردّ فعله على إغلاق المسجد الحرام، وأفتى بعضهم بحرمة غلق المساجد، وعده بعضهم ردة عن الإسلام، وأن الدول التي أغلقت المساجد أصبحت دار حرب! وفسر بعض المشايخ قرارات إغلاق المساجد بأنه طرد للمسلمين من رحمة الله بسبب ذنوبهم.
ووجدنا في المقابل من أفتى بجواز غلق المساجد للضرورة، وقال الدكتور أكرم كساب في مقال له حول إغلاق المساجد وتعطيل الجمعة في ظل الانتشار الواسع لفيروس كورونا: "إن غلق المساجد واجب وترك الجمعة قربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى".
كورونا والطب
فيروس كورونا أمر طبي ينبغي الرجوع فيه إلى الأطباء والمختصين. وعلى الرغم من ذلك، انتشر الكثير من الشائعات حول طرق الإصابة بالفيروس وطرق مواجهته والقضاء عليه. فقد انتشرت شائعات على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إن درجات الحرارة المرتفعة تقضي على هذا الفيروس، وإن الإكثار من شرب الماء ينقل الفيروس من الحلق إلى المعدة، حيث يموت هناك بفعل الحامض المعدي!
ومن الاختراعات التي أبهر بها المصريون العالم كعادتهم، أن الفسيخ والطعام المملح يقضيان على فيروس كورونا، وأنه ينتقل من طريق الممارسة الجنسية!
والتوصيات الموحدة للوقاية من انتشار العدوى، التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية تشمل: غسل اليدين بانتظام، وتغطية الفم والأنف عند السعال والعطس، بالإضافة إلى تجنب مخالطة أي شخص تبدو عليه أعراض الإصابة بمرض تنفسي، مثل السعال والعطس.
كورونا والاقتصاد
التأثير الأكبر لفيروس كورونا كان في الاقتصاد العالمي. فقد أدى إلى إغلاق الكثير من المصانع والشركات والمتاجر، وأدى إلى تعليق رحلات الطيران، وهبوط أسعار النفط، وتراجع كبير في أداء البورصات العالمية.
وظهور الفيروس في الصين عزاه البعض إلى الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وحول منشأ هذا الفيروس، شاع أمران: الأول، أن الصين هي التي طورت هذا الفيروس للتخلص من المستثمرين الأجانب، وخاصة الأميركان. والثاني، أن الولايات المتحدة هي التي طورت هذا الفيروس للإضرار بالاقتصاد الصيني المنافس الأكبر للاقتصاد الأميركي.
وفي مقابل الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها دول وشركات، وتعرض لها أفراد، حققت القطاعات العاملة في مجال صناعة المطهرات وأدوات الوقاية والفحص الطبي بعض المكاسب، وانتعشت كذلك حركة التجارة الإلكترونية، وشركات الترفيه المنزلي.
الإعلام وكورونا
أوسع انتشار لفيروس كورونا كان على القنوات الإخبارية التي تغطي أخباره وتناقش آثاره على مدار الساعة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تطبيق الواتساب الذي يتيح للجميع مشاركة الصحيح والكاذب من الأخبار المتعلقة بهذا الفيروس.
وأبواق السلطة في الأنظمة المستبدة حاولت إقناع البسطاء والسذج وغيرهم بعدم خطورة فيروس كورونا، وأنهم وبلادهم في مأمن من هذا الفيروس، لدرجة وصلت إلى استضافة شخص على هيئة فيروس كورونا نفسه في أحد البرامج على قناة فضائية لكي يبرئ ساحته!
وكالعادة، صاحب انتشار فيروس كورونا اهتمام إعلامي مبالغ فيه وتضخيم لآثاره، وهو ما أدى إلى نشر الرعب والهلع بين الناس، ولو قارنّا عدد ضحايا هذا الفيروس منذ ظهوره وحتى الآن، وهم نحو أحد عشر الفاً على مستوى العالم، مع من يموتون بالتبغ سنوياً، وهم نحو 8 ملايين نسمة، لأدركنا الفرق الهائل بين التغطية الإعلامية التي حظي بها فيروس كورونا، مقارنة بالإهمال الإعلامي المتعمد للتبغ القاتل.
كورونا والجماهير
الجماهير حول العالم تنوعت ردود أفعالهم تجاه فيروس كورونا بين التهوين من شأن الفيروس والتهويل والفزع منه ومن آثاره. فهناك شعوب قابلت الفيروس بموجة من السخرية، ربما كان الدافع وراءها سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية في هذه الدول، وهناك شعوب أصابها الفزع واتخذت أساليب الوقاية كافة، ولجأت إلى تخزين السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية.
وفي مواجهة فيروس كورونا ظهرت العنصرية في أبشع صورها، ومنها الشماتة في بعض الفئات والجنسيات مثل الصين أو العمال الآسيويين، وحتى المصريون طاولهم الاتهام بنشر الفيروس.
ومنها الحقد على أفراد الجالية المغربية والجزائرية في إيطاليا لعدم إصابتهم بالفيروس، الذي أظهره مواطن إيطالي في اتصاله بإحدى القنوات الفضائية، لكن المذيعة الواعية لقنته درساً لن ينساه.
وفيروس كورونا والهلع الذي صاحبه أظهر جشع البعض وطمعهم، سواء من ناحية المستهلكين أو من قبل التجار. فقد هرع الناس في بعض الدول إلى تخزين كميات كبيرة من السلع الغذائية والمواد المطهرة، واستغل بعض التجار الأزمة لاحتكار بعض السلع ورفع أسعار سلع أخرى كالمطهرات وأدوات الوقاية.
وفي مقابل ذلك الجشع والطمع، ظهر التعاون والتكاتف في دول أخرى بمراعاة ظروف المتضررين من تداعيات فيروس كورونا، كإسقاط دفع الإيجارات والأقساط أو تأجيله، أو التبرع بسلع ومواد غذائية للمتضريين من انتشار الفيروس.
كورونا والحكومات
اختلف موقف الحكومات في العالم تجاه فيروس كورونا السمتجد، فقد اتخذت دول مثل الصين التي ظهر وتفشى فيها الفيروس الاحتياطات اللازمة والتدابير الاحترازية لمنع انتشاره، فاستطاعت احتواءه والسيطرة عليه، بل نقلت تجربتها وعرضت مساعدتها للآخرين في مواجهة هذا الفيروس.
وتساهلت دول أخرى، مثل إيطاليا، في مواجهة الفيروس، فانتشر فيها انتشاراً واسعاً، وسبب وفاة المئات يوميا، لتحتل المركز الأول في نسبة الوفيات عالمياً، نتيجة الإصابة بهذا الفيروس.
وهناك دول حاولت التكتم على انتشار الفيروس وعلى عدد الإصابات والضحايا، وهذه الدول فضحها انتشار الفيروس بين الأجانب والمغادرين لها، وتطبيق الحجر على مدن ومحافظات بكاملها كما حدث في مصر.
وهناك دول أخرى تبنت استراتيجية (مناعة القطيع) مثل بريطانيا، التي تسمح بإصابة عدد كبير من المواطنين لإكسابهم مناعة ضد الفيروس، وتراوح نسبتهم ما بين 60-70% من الشعب.