موروثات التمييز متجذرة في العالم العربي، لكن ما كان لافتاً في قصة سارة حجازي ونهايتها التراجيدية، تقاطع الآراء لدرجة التحالف بين التيارين الاستبدادي والديني المحافظ. الأول حكم عليها بالسجن والتحرش، والثاني بالأحكام المسبقة وفتاوى التشفي، لأنها عبّرت عن هوية جنسية يعتبرونها خارج المألوف. المتعارف عليه، أن الصراع التقليدي الذي يدور في حلقة مفرغة من الانهيار العربي هو بين معسكر الاستبداد والمعسكر الديني المحافظ، لكن قصة سارة حجازي تذكّرنا بوهم هذا الصراع المفروض على المجتمعات العربية.
هناك قواسم مشتركة بين المعسكرين، حتى لو كانت الدوافع مختلفة، مثل تقويض حكم القانون عبر استخدام العسكر أو الشرائع الدينية ضمن شعبوية محافظة تحاكي القواعد الشعبية. حين ينتهي المعسكران، الاستبدادي والديني المحافظ، من هذه الازدواجية القاتلة، وينهي الأول تبرير وجوده عبر قمع الثاني، ينتظر على الضفة الثانية المعسكر الليبرالي العلماني الذي يرى الحرية والمساواة والعدالة باعتبارها المسلّمات المطلقة التي يجب أن تكفلها الدساتير الوضعية.
يتوق الليبراليون إلى معركة سياسية وانتخابية مع المحافظين حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي من دون عسكر ولا دماء ولا فتاوى أو أجهزة استخبارات ونهي عن المنكر. هذه معركة كل من سلبه العالم العربي حقه في العلم والمعرفة وحريته في التشكيك والاكتشاف والبقاء في المساحة التي ينتمي إليها. هذه هي المعركة الرئيسية بدل من يناصر إيران أو أميركا، من يطبّع مع إسرائيل أو يطبّل لتركيا، من يعتقل المعارضين أو يهدر دم المنتقدين. هي معركة تحرير الإنسان من تشوهات النظام الاجتماعي المفروضة عليه عنوة.
هذا العالم العربي أضحى آلة قتل الشعوب من المحيط إلى الخليج، أداة جرائم شرف وتعنيف منزلي، وكالة لتزويج قاصرات واستعباد العمالة المستضعفة. كل هذا مسار لا يستدعي الرد، لكن مجرد رفع علم المثليين في حفل موسيقي يبرر اختطاف حياة شابة وشيطنتها. سارة حجازي تختصر معاناة هذا التيار الليبرالي الذي يصارع وحده التجارب القاسية التي حملها معه في الغربة. كانت لديها كل الحرية في كندا، لكنها ظلت تتوق حتى الموت إلى تعاطف بيئتها وقبولها. هذا العالم القاسي سامحته سارة حجازي، لكنها لم تسقطه.