"الرحلة السابعة والعشرون".. بهذه العبارة يستقبل الفنان والموسيقي الفلسطيني عامر شناتي (27 عاما) زوار مدونته على الإنترنت، محاولا اختزال رحلة طويلة جدا زمانيا ومكانيا، من مخيم العائدين في حمص، تلك المدينة المنهكة بالموت والدمار اليوم، إلى هولندا، حيث يستقر الآن. البلد الذي وصله اللاجئ الفلسطيني، لاجئا مرة أخرى، لا يحمل حقيبة ولا "بقجة" تشبه ما حملها أجداده حين خرجوا من ترشحيا في الجليل، هذه المرة تأبط عوده ونوته، فقط لا غير.. لا ثياب ولا "أشياء"، مدركه فضاء موسيقي ومتنفس للتجريب والتطوير والحوار الموسيقي بين ثقافات مختلفة، تلتقي في هولندا، وأرجاء القارة الأوروبية.
لم يمض وقت سريع على وصول الموسيقي الشاب، وقبل حتى منحه قرارا بالإقامة واللجوء، رصدت وسائل الإعلام الهولندية مشاركات عامر في فعاليات فنية، وحفلات هامة في هولندا. علاقة عامر مع الموسيقى تتعدى البعد الأكاديمي، باتت تشكل اليوم هوية لعامر وطريقة حياة يومية. يتابع تخصصه بتدريس الموسيقا في المعهد الملكي للموسيقا (رويال كونسيرفتوار) في لاهاي. وكان خريج المعهد الموسيقي في حمص عام 2008، قد افتتح مدرسة موسيقية في حمص، لتعليم العزف والغناء، ولاحقا أسس فرقة "جفرا" المستقلة، والتي أشار إلى أن لا علاقة لها بأي مؤسسة أو جمعية تنشط في سورية وتحمل الاسم نفسه، الفرقة المكونة من شبان وشابات متدرجي الأعمار تخصصت في الأغاني الفلكلورية الفلسطينية ومن عموم المنطقة، بميول طربية، استطاعت تسجيل حضور لافت في الأوساط الموسيقية بحمص، قبل تشتتها وتشتت أعضائها. ومع اشتداد الحرب في سورية، توقفت تدريبات الفرقة وحفلاتها، بسبب تباعد الأعضاء جغرافيا. انتقل عامر متطوعا مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مخيم حمص، "دون أن أدري ما الذي تعنيه كلمة تطوع بعد، طلبت مكانا من أحد مراكز الوكالة، فمنحوني غرفة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار مربعة على مضض، وبعد إلحاحي وإصراري بغية منح الأطفال فرصة للهروب من نيران الحرب التي تجتاح الأزقة والشوارع، وبدأت بتدريس الموسيقى لنحو 100 فتى وفتاة بعضهم من طلابي القدامى، وخلال عام واحد من بداية 2012 إلى نهايته، استطعت تشكيل فرقة جديدة، لكنها ابتعدت عن الأغاني الحماسية أو النضالية، بسبب الاحتقان والأجواء المتشنجة.. فشلت بتحصيل أي دعم من الوكالة لشراء بعض الآلات الموسيقية لبعض الفتية، بتبرعات قليلة من العائلة وأوساطها تمكنّا وبعض الأصدقاء في دول المهجر من شراء بعض الآلات".
في الشهر السابع من العام 2014 وصل عامر إلى هولندا، بعد أن اضطر مجبرا لمغادرة سورية، تاركا وراءه العائلة والأصدقاء وحمص والمخيم، لتبدأ رحلته مع "كامبات" اللجوء، واللا استقرار، والغرف والوجوه الجديدة التي يلتقيها في كل كامب ينتقل أو يحل فيه.. على الرغم من صعوبة هذه الفترة في بدايتها، إلا أنها كانت فرصة لعامر للتعرف إلى موسيقيين هولنديين وفنانين على امتداد رحلة لجوئه الجديد، البداية كانت حين سمع أحد التشكيليين الهولنديين عامر يعزف في حفلة صغيرة في مدينة أونين، القريبة من الكامب الذي سكنه، دعاه لاحقا إلى العزف في افتتاح معرضه في مدينة خرونيغين بعد فترة وجيزة، لاقى استحسانا من قبل الجمهور والفنانين.. "حينها لم يكن لدي كرت فيزت بعد، بسبب تكاليف الطباعة للاجئ طارئ، فكتبت اسمي ورقم الهاتف، الإيميل وصفحة الفيسبوك على قصاصات ورق قدمتها للناس الذين تواصلوا معي. وفعلا بعد فترة تواصلت معي إحدى الفرق الموسيقية الهولندية في المدينة ذاتها "أونين"، للعزف في هذه المدينة الصغيرة، أحسست أن الموسيقى والعود قد أزالتا حواجز لدى ناس كثر كانوا مترددين في قبول الكامب أو اللاجئين الجدد".
لاحقا عزف عامر في راديو أمستردام على الهواء مباشرة، أثار إعجاب الجمهور بأدائه وتمكنه من آلته، فتواصلت معه بعد فترة فرقة "إن بي آي"، وهي من كبريات الفرق الموسيقية في أمستردام، وطلبت منه المشاركة في حفليها اللذين أحيتهما 30 و31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي والذي أذيع في وسائل الإعلام والمحطات الهولندية. حينها ظهر الموسيقي الشاب في مقابلات مع عدد من الصحف الهولندية، ولفت الأنظار إليه مجددا وبعزفه الرشيق على آلة الشرق الأثيرة "العود"، ولقصر فترة وصوله إلى هولندا، وتفاعله وانخراطه السلس في الوسط الفني الموسيقي، في الحفلات والمسارح والمهرجانات الكبرى.
في بحثه الموسيقي، لا يبحث شناتي عن حصر المتلقي أو نفسه بالمقام الشرقي، يسعى لمزج روح المقام في قوالب موسيقية متعددة الثقافات والهويات، يدرك التحدي الموسيقي وحجم ما يسعى إليه، ويؤمن بأن إدراكه لأبعاد هوية العود وتمكنه من هذه الآلة، عاملان مهمان لئلا تفقد الموسيقى الشرقية أي فرصة في الاستمرار والتلاقح مع أشكال وقوالب أخرى.
ويسعى إلى إصدار أسطوانة في هذا الاتجاه خلال عام. في بحثه هذا، يجد عامر في مواصلة فلسفة التطوع، يتنقل بين كامبات اللجوء ومراكز إيواء ودعم المهاجرين واللاجئين الجدد، بتنسيق ودعم من المنظمات الهولندية العاملة مع اللاجئين، يساعد الفتية والفتيات على التمكن من العزف على الآلات الوترية، ومشاهدة طفل لا يعرف شيئا عن آلة موسيقية، خلال فترة من التمرين والتدريب، تجعله قادرا على العزف بجدارة أمام الجمهور، هي غاية بحد ذاتها يسعى إليها الموسيقي الشاب. هو في هذه التجربة لا يعلّم فقط، بل يتعلم ويتعرف على ثقافات وموسيقى جديدة بالنسبة له، من خلال الاحتكاك بالتراث الموسيقي لطلابه. ويشعر بالرضى لكون أشخاص كثر تعرفوا على العود من خلاله، وآخرين قد بدأوا بتعلمه فعلا بعد أن سمعوه يعزف..
ظهر الموسيقي الشاب على المحطات الهولندية، وفي مقابلات مع عدد من الصحف الهولندية، ولفت الأنظار إليه مجددا وبعزفه الرشيق على آلة الشرق الأثيرة "العود"، ولقصر فترة وصوله إلى هولندا، وتفاعله وانخراطه السلس في الوسط الفني الموسيقي في المهجر.