15 فبراير 2016
عام "التعزيل" عند العرب
في لبنان، ثمة تقليد لربات البيوت في الأوساط الشعبية يسمى "التعزيل"، وهو نشاط يتعلق بالتنظيف والترتيب للمنازل، بداية كل موسم شتاء وصيف، أو قبل الأعياد وبعدها. وتتميز الفترة التي تسبق "التعزيل" بحالة من الفوضى وتجاهل للغبار المتراكم، وأحيانا للأوساخ، على أمل تنظيفها دفعة واحدة، حين يحين الموعد. ثم تأتي حفلة التنظيف هذه لتستهدف الجدران والأثاث والثياب، ولأن تقسيم الأشياء بين نظيفة ومتسخة قد يأخذ وقتاً، فإن ما هو نظيف في المنزل لا بد أنه سيمر على "التعزيل" أيضاً.
سُئلت عما قد تحمله الـ2016 من تغيرات، فأجبت أن الأمور ستبقى كما هي، لكن في الحقيقة أعتقد أن الـ2016 عام "التعزيل".
نهاية العام المنصرم لم تحمل حلاً لأي من القضايا الرئيسية في منطقتنا المستمرة، فبعضها كساها الغبار وأخرى تعيش الفوضى، وما بينها مناكفات طفولية لا تنتهي أصلاً. لكن، ثمة مقصلة نُصبت على عتبة العام الجديد، لتعدم كل قضية حملت ضمن ما حملت من خيبة للآمال، بعض الإيجابيات.
عوّدتنا دولنا العربية، أو لنقل من يتكلم باسمها، التجاهل أو الهرب من المواجهة الحقيقية باستخدام العنف المفاجئ، أو الانكباب على قضايا ثانوية على حساب قضايا مصيرية، أو اللعب على وتر الفتنة والمصطلحات الفكرية، للحفاظ على ممتلكاتها التي تتلخص بـ"الكرسي"، ريثما تأتي قرارات عليا أو حلول موسمية نهاية كل سنة أو بداياتها.
تلخصت نهاية العام 2015 بهرب العرب من مواجهة إيران على حدودها بتحالف عربي عسكري ضد جماعة مسلحة واحدة في اليمن، ومن مواجهة إسرائيل بانتقاد تركيا، ومن مواجهة الإسلام السياسي بالاعتقالات والملاحقات، ومن استضافة المعارضة السورية لإسقاط بشار الأسد إلى مقاعد المشاهدة في المؤتمرات الدولية حول سورية، ومن مواجهة حملة الكراهية ضدهم في أميركا وأوروبا إلى تحالف ضد الإرهاب في بلادهم، ومن احتضان اللاجئين في عرض البحر إلى كرم الضيافة العربية في اجتماعات جمع الأموال لحكومات بعضهم بعضا، ومن تقليص أعدائهم من طواحين الهواء إلى اكتشاف عداوتهم لروسيا.
نفذت المقصلة العربية أولى أحكامها بالإعدامات في السعودية على خلفيات لمآرب سياسية، كان يمكن أن تُتخذ لأسباب أخرى، أقلها الدم المراق في سورية، من دون الحاجة لدماء جديدة، لكن ربما هو موسم "التعزيل" الذي يأتي على ما هو نظيف أيضاً في كواليس الحروب العبثية الباردة.
هذا الإعدام، ولأنه يتعلق بإيران والسعودية، قد يعدم معه الحوارات والهدن القائمة في باقي الدول العربية، أي الإيجابية الوحيدة لها، وهي تأجيل أي مواجهة عبثية داخلية، خصوصاً في اليمن ولبنان وسورية والبحرين، ولأنه يتعلق بالفكر فقد يعدم معه معتقلين ضد الانقلاب في مصر، بعد ترقب نور بسيط في التوتر الظاهر بين السعودية والنظام المصري، ولأن كلمة الإرهاب قد ذكرت في الإدانة، فإن أي حملة أمنية أو قانون طوارىء جديد قد يكون أكثر تقبلاً في الأشهر المقبلة، فيُعدم أي حراك ضد الفساد.
لن تكون التغييرات في صلب القضايا والمشكلات الرئيسية، إذ كيف ستتغير السياسات عندما لا تتغير الأنظمة؟!.. التغيرات ستكون من نصيب تلك الآمال المتواضعة، التي أعدمت، وربما ستُعدم في العام 2016، آمال من ملك الفئة المظلومة في بلادنا، كان من حقها أن تستبشر بالعام الجديد.
نتيجة "تعزيل" البيوت عادة ما تكون جميلة في المظهر والرائحة والنظام، لكن "تعزيل" منطقتنا العربية يختلف كلياً، لأن نتائجه إزهاق للأرواح وانتشار رائحة الدم ومزيد من الفوضى.
سُئلت عما قد تحمله الـ2016 من تغيرات، فأجبت أن الأمور ستبقى كما هي، لكن في الحقيقة أعتقد أن الـ2016 عام "التعزيل".
نهاية العام المنصرم لم تحمل حلاً لأي من القضايا الرئيسية في منطقتنا المستمرة، فبعضها كساها الغبار وأخرى تعيش الفوضى، وما بينها مناكفات طفولية لا تنتهي أصلاً. لكن، ثمة مقصلة نُصبت على عتبة العام الجديد، لتعدم كل قضية حملت ضمن ما حملت من خيبة للآمال، بعض الإيجابيات.
عوّدتنا دولنا العربية، أو لنقل من يتكلم باسمها، التجاهل أو الهرب من المواجهة الحقيقية باستخدام العنف المفاجئ، أو الانكباب على قضايا ثانوية على حساب قضايا مصيرية، أو اللعب على وتر الفتنة والمصطلحات الفكرية، للحفاظ على ممتلكاتها التي تتلخص بـ"الكرسي"، ريثما تأتي قرارات عليا أو حلول موسمية نهاية كل سنة أو بداياتها.
تلخصت نهاية العام 2015 بهرب العرب من مواجهة إيران على حدودها بتحالف عربي عسكري ضد جماعة مسلحة واحدة في اليمن، ومن مواجهة إسرائيل بانتقاد تركيا، ومن مواجهة الإسلام السياسي بالاعتقالات والملاحقات، ومن استضافة المعارضة السورية لإسقاط بشار الأسد إلى مقاعد المشاهدة في المؤتمرات الدولية حول سورية، ومن مواجهة حملة الكراهية ضدهم في أميركا وأوروبا إلى تحالف ضد الإرهاب في بلادهم، ومن احتضان اللاجئين في عرض البحر إلى كرم الضيافة العربية في اجتماعات جمع الأموال لحكومات بعضهم بعضا، ومن تقليص أعدائهم من طواحين الهواء إلى اكتشاف عداوتهم لروسيا.
نفذت المقصلة العربية أولى أحكامها بالإعدامات في السعودية على خلفيات لمآرب سياسية، كان يمكن أن تُتخذ لأسباب أخرى، أقلها الدم المراق في سورية، من دون الحاجة لدماء جديدة، لكن ربما هو موسم "التعزيل" الذي يأتي على ما هو نظيف أيضاً في كواليس الحروب العبثية الباردة.
هذا الإعدام، ولأنه يتعلق بإيران والسعودية، قد يعدم معه الحوارات والهدن القائمة في باقي الدول العربية، أي الإيجابية الوحيدة لها، وهي تأجيل أي مواجهة عبثية داخلية، خصوصاً في اليمن ولبنان وسورية والبحرين، ولأنه يتعلق بالفكر فقد يعدم معه معتقلين ضد الانقلاب في مصر، بعد ترقب نور بسيط في التوتر الظاهر بين السعودية والنظام المصري، ولأن كلمة الإرهاب قد ذكرت في الإدانة، فإن أي حملة أمنية أو قانون طوارىء جديد قد يكون أكثر تقبلاً في الأشهر المقبلة، فيُعدم أي حراك ضد الفساد.
لن تكون التغييرات في صلب القضايا والمشكلات الرئيسية، إذ كيف ستتغير السياسات عندما لا تتغير الأنظمة؟!.. التغيرات ستكون من نصيب تلك الآمال المتواضعة، التي أعدمت، وربما ستُعدم في العام 2016، آمال من ملك الفئة المظلومة في بلادنا، كان من حقها أن تستبشر بالعام الجديد.
نتيجة "تعزيل" البيوت عادة ما تكون جميلة في المظهر والرائحة والنظام، لكن "تعزيل" منطقتنا العربية يختلف كلياً، لأن نتائجه إزهاق للأرواح وانتشار رائحة الدم ومزيد من الفوضى.