مع الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في يوليو/تموز 2014، لا يزال أصحاب البيوت المدمرة يترقبون الإعمار، وضحايا الاعتداءات الإسرائيلية في انتظار محاسبة المجرم والقاتل وسوقه إلى المحكمة الجنائية الدولية. والسكان عامة يأملون في فترة هدوء تريحهم من أزمات متعددة تكاثرت عليهم. أما المقاومة فتتجهز لجولة أخرى من القتال، إن فرضها الاحتلال على غزة.
وعلى الرغم من تحقيق المقاومة إنجازات عسكرية نوعية، خلال العدوان الذي استمر 51 يوماً، إلا أنّ نتائج هذا الصمود والعمل النوعي لم يلمسها السكان حتى الآن. ويُرجع قياديون ومسؤولون ذلك إلى الظروف التي أحاطت بغزة خلال العدوان، والغطاء العربي الذي رفع مبكراً عن القطاع، والذي جعل غزة وحيدة في مواجهة العدوان وآلة القتل الإسرائيلية.
وعلى الرغم من تحسن الظروف قليلاً عن الأشهر التي تلت العدوان والتي عاشت فيها غزة وضعاً صعباً للغاية، فضلاً عن وجود مؤشرات كثيرة على نية الأطراف التي تسببت في الأزمات لغزة، تخفيف الخناق لمنع الانفجار المقبل، إلا أنّ سكان القطاع ينتظرون تحول النوايا إلى واقع على الأرض، بعدما ملّوا الوعود الكثيرة.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تدعو للتحقيق في جرائم حرب في غزة
يقول القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل لـ"العربي الجديد"، إنّ الحرب التي شنّت على غزة، في العام الماضي، كان الهدف من ورائها استئصال المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها "حماس" وكتائب القسام. ووفقاً للبردويل، فقد "شاركت في الحرب قوى متعددة، كانت إسرائيل مركز القيادة لها، وهي التي جندت دولاً عربية وإقليمية لهذه الحرب، وجندت كل الإمكانيات المادية والإعلامية والعسكرية".
وعلى الرغم من أنه "لم تكن هناك مقارنة بين ما تمتلكه المقاومة وما يمتلكه التحالف الذي ضرب غزة"، وفق البردويل، إلا أنّ "العالم كله فوجئ بأن غزة لم تنكسر، وبقي سلاح المقاومة، وانشغلت الأطراف التي ساعدت في الحرب بنفسها إلى غير رجعة".
ويلفت البردويل إلى أنّ المقاومة زادت قوة وتماسكاً وأداء والتفافاً شعبياً من حولها بعد الحرب والعدوان، وبقي العالم كله يساومها على تمديد التهدئة، مشيراً إلى أنّ "لديها صمودا كبيرا في وجه الحصار وتعطيل الإعمار، ورفضت كل الشروط التي حاولوا فرضها عليها لجهة نزع سلاحها أو انتزاع اتفاق يمنعها من التسلح".
ويلفت القيادي في "حماس" إلى أنه عندما فشلت إسرائيل في ضرب المقاومة وتدميرها، صار الكيان يحسب ألف حساب من ردة فعل هذا الشعب وهذه المقاومة على أي عدوان، لأن ما تمتلكه الأخيرة من عزيمة قتالية، أكبر وأقوى من تلك التي يمتلكها العدو.
وفيما يوضح البردويل أنّ الذي يبدأ الحرب هو الذي يضع أهدافها، يشير إلى أنّ العدو هو الذي لم يحقق أهدافه من هذه الحرب التي وضعها باكراً، أما المقاومة فكان هدفها الدفاع عن شعبها وتثبيت نفسها، ومنع الاحتلال من كسر هيبة الشعب ومقاومته.
ويبين البردويل أنّ الظروف التي منعت تحول الإنجازات التي سجلتها المقاومة في الميدان إلى واقع على الأرض كثيرة، "ومنها الظرف العربي الذي كان سيئاً ومتواطئا مع الاحتلال، إلى جانب الظرف الفلسطيني الرسمي الذي كان أكثر تواطؤا وتصيداً"، مؤكداً أنّ "البيئة السياسية المحيطة كان يصعب من خلالها الحصول على مكاسب سياسية"، على حد قوله.
من جهته، يؤكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، الشيخ خضر حبيب، لـ"العربي الجديد"، أنّ فرص نشوب حرب جديدة ستبقى مرتفعة وقائمة، مع بقاء الاحتلال واستمراره في سياسته الحالية، وأنّ المواجهة والصراع المسلح سيبقى خياراً قائماً بين فترة وأخرى.
ويشير حبيب إلى أنّ الظروف التي تبعت الحرب الإسرائيلية على غزة، الصيف الماضي، أكثر صعوبة، بسبب ما صاحبها من دمار ومعاناة، غير أنه يلفت إلى أنّ الاحتلال خرج من هذه الحرب من دون أنّ يحقق أي نجاح يذكر من الأهداف التي وضعها قبيل الحرب، وقوبل بمقاومة قوية أجبرته في النهاية على وقف العدوان من دون تحقيق أهداف حملته العسكرية.
ويلفت القيادي في الجهاد الإسلامي إلى أنّ المقاومة الفلسطينية حققت نجاحات عسكرية كبيرة في هذه الحرب، إلا أنها لم تُستغل بشكل حقيقي يقود إلى نجاح سياسي على الأرض، بفعل غياب الظهير العربي، خصوصاً غياب الدور المصري، بالإضافة إلى تأثير الانقسام الفلسطيني.
ويشير حبيب إلى أنّ "الانقسام الفلسطيني تسبب في ضياع فرصة استغلال النجاح العسكري والصمود على مدار 51 يوماً، ومعه لم تُحقق مكاسب سياسية أو انتصار حقيقي يرفع المعاناة والحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذ تسع سنوات".
ويتفق عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كايد الغول، مع حبيب في أنّ استمرار سياسات الاحتلال الحالية في الضفة الغربية وقطاع غزة، تُبقي معدلات نشوب الحرب مرتفعة بشكل دائم، لا سيما أنّ الاحتلال لم يغير من أسلوب العنف المتبع مع الفلسطينيين.
ويقول الغول لـ"العربي الجديد" إنّ الاحتلال يواصل محاولاته إيقاع أكبر خسائر بشرية ممكنة في صفوف الشعب الفلسطيني، من أجل ضمان إضعاف الشارع الفلسطيني، وفي غزة على وجه الخصوص، وعدم المطالبة بالحصول على أقل الحقوق.
ويشدد على أنّه، خلال الحرب السابقة، قدمت المقاومة والشعب الفلسطيني نموذجاً في الصمود والتحدي، سواء على الصعيد العسكري أو على صعيد الجبهة الداخلية في حينه، مشيراً إلى أنه كان من المفترض أن يجري استغلال المواجهة السابقة لتحقيق مكاسب، لكن حالة الانقسام والواقع العربي القائم، جرى استغلاله من قبل الاحتلال لزيادة الحصار وتشديد إجراءاته على الفلسطينيين، من خلال إغلاق المعابر وتعطيل الإعمار.
اقرأ أيضاً: "نحن لسنا أرقاماً".. صوت شباب غزة إلى العالم
أما مدير مركز أبحاث المستقبل في غزة، إبراهيم المدهون، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية نجحت، خلال الحرب الأخيرة، في تحقيق نجاحات عسكرية واضحة وملموسة على الأرض، إلا أنها لم تتمكن حتى اللحظة من جني ثمارها السياسية.
ويُرجع المدهون ذلك إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتفرد الرئيس محمود عباس بالقرار، بالإضافة إلى بعض الأطراف الإقليمية، منها مصر، التي حاولت ولا تزال تقزيم أي نجاح للمقاومة في غزة.
ويشير المدهون إلى أن التطور العسكري لدى المقاومة، الذي شهدته حرب العام الماضي، كان أوضح من حربي 2008 و2012، سواء عبر القدرات الصاروخية واتساع رقعة استهدافها، أو عبر الأنفاق والهجمات خلف خطوط العدو، بالإضافة إلى زيادة أعداد العمليات العسكرية، وتنوع الأساليب العسكرية التي استخدمت فيها.
ويلفت المدهون إلى أنّ تطور قدرات المقاومة الفلسطينية بات واضحاً، حتى إنّ الشارع في غزة أصبح أكثر قدرة على امتصاص الصدمات والصمود في وجه الاحتلال. لكن هذا التطور قوبل من الجانب الإسرائيلي باتساع رقة القتل والدمار وارتفاع أعداد الشهداء بشكل ملحوظ عن حربي 2008 و2012.
ويؤكد مدير مركز أبحاث المستقبل أنّ حالة الاحتقان المستمرة بين غزة وإسرائيل نابعة من عدم قدرة الأخيرة على تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية وعجزها العسكري، موضحاً أنّ الاحتلال يحاول التخفيف من حدة الاحتقان الموجود حالياً، عبر بعض التسهيلات الإنسانية للتخفيف من حجم المعاناة، وعدم التحول تجاه معركة جديدة لا يرغب فيها.
ويوضح المدهون أنّ الاحتلال لا يرغب في مواجهة في الوقت الحالي. كما أنّ المقاومة لا تريدها أيضاً، لرغبتها في التخفيف عن الشارع في غزة، وإعطاء فترة للراحة من تتابع الحروب، والتفرغ لتطوير القدرات العسكرية وترميم وتطوير قدراتها، استعداداً لأي مواجهة مقبلة، في ظل رغبتها بتأجيلها في المرحلة الحالية.
ويشير مدير مركز أبحاث المستقبل إلى أنّ الأسباب الحقيقية وراء عدم رغبة الاحتلال في شن أي حرب جديدة على القطاع نابعة من اقتناعه بأنه لا قدرة له على تحقيق أي نجاح عسكري على المقاومة الفلسطينية، أو القدرة على تدمير قدراتها العسكرية، وبالتالي سيلجأ إلى تخفيف الحصار بأساليب متنوعة من أجل عدم انفجار جبهة غزة مجدداً.
غير أنّ المدهون يؤكد أنّ محاولات التخفيف التي يقوم بها الاحتلال لم ترتق حتى اللحظة إلى المستوى المطلوب الذي يمنع الانفجار في وجهه مجدداً، وأنّ البيئة الفلسطينية تحتاج في الوقت الراهن فهماً حقيقياً لما يجري، وأي محاولة للتلكؤ أو إشغال القطاع بصراعات إقليمية ستكون نتائجها عكسية على الاحتلال، فالمقاومة ستوجّه قدراتها العسكرية تجاه إسرائيل.
بدوره، يرى المحلل السياسي طلال عوكل، أنّ الاختلاف بين الحرب الأخيرة ونظيراتها السابقات، هو تطور الأداء والقدرات العسكرية الفلسطينية، وما قدمته المقاومة من وصول صواريخها إلى مدن حساسة ومركزية، بالإضافة إلى الأنفاق التي أحدثت إرباكاً في الحرب البرية والتي خسر خلالها الاحتلال عدداً كبيراً من الجنود.
ويقول عوكل لـ"العربي الجديد" إنّ من أسباب فشل الفلسطينيين في تحويل النجاح العسكري إلى سياسي، عائد إلى الواقع العربي والأنظمة القائمة التي لا تدعم المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن الحالة الفلسطينية الداخلية التي تعاني من الانقسام والتشرذم.
ويشير عوكل إلى أنّ الواقع القائم حالياً في قطاع غزة هو وقف إطلاق نار بأمر الواقع بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في غزة، إذ استغل الاحتلال الواقع العربي في المنطقة وانسحب من المفاوضات غير المباشرة، فيما يحاول اليوم التوصل إلى اتفاق للحصول على هدنة طويلة مقابل بعض التسهيلات للقطاع.
وفيما يتعلق بإمكانية الوصول إلى اتفاق هدنة طويلة، يلفت عوكل إلى أنّ ذلك سيكون صعباً بدون مواجهة جديدة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، خصوصاً في ظل رغبة "حماس" في أن يكون أي اتفاق مقبل يشمل كافة الأراضي الفلسطينية، وبمشاركة من الجميع.
اقرأ أيضاً: مصر تطلب تنسيقاً أمنياً حدودياً مع "حماس"