عبء الصداقة
كنت لردح طويل من الزمان أعتقد أن الصديق هو الشخص الذي "يتقبلنا كما نحن" و"نظهر أمامه بكافة صورنا" ويتقبلنا "رغم كل أفكارنا" و"لسنا بحاجة إلى التلطف معه أو مجاملته أبداً".
الصديق ببساطة هو الشخص الذي يرى "أسوأ ما فينا" ويقبل بهذا دون شرط.
وعن هذا الصديق ينقل أبو حيان التوحيدي عن يحيى بن معاذ في "الصداقة والصديق" قوله "بئس الصديق صديق تحتاج معه إلى المداراة، وبئس الصديق صديق تحتاج أن تقول له: اذكرني في دعائك، وبئس الصديق صديق يلجئك إلى الاعتذار".
كان هذا الاعتقاد يؤدي بصورة مباشرة إلى إلقاء اللوم على الأصدقاء، عندما يظهر منهم أي "جفاء" نتيجة لتصرفاتنا. فـ "أنا" هو "أنا" وعلى صديقي أن يقبل بهذا بصورة كاملة.
الصديق يجب أن يلعب هنا دورا كبيرا في "موازنة" نفسياتنا. فهو يرى أسوأ ما فينا، وعليه أن يحتمل هذا باستمرار، ليستحق منزلة "صديق".
كان لصديقي، المحب لأبي حيان التوحيدي وكتابه "الصداقة والصديق"، رأي آخر معاكس.
يرى صديقي، وهذا ما اقتنعت به لاحقاً، أن الصديق هو الذي يستحق أن نجامله ونتلطف معه ونظهر أمامه أفضل ما فينا، لأنه صديق.
نحن نجامل ونتلطف مع من نحب، لا الغرباء. والمجاملة هنا بمعناها الذي يقارب التلطف، لا النفاق.
الغرباء هم الذين لا يستحقون مجاملاتنا وتلطفنا (وهذا تشديد من عندي لا أتبعه غالباً).
في تصوري للصداقة اليوم، تصبح المبادرة ملقاة على عاتقي، فأنا من يجب أن يراعي صاحبه، ويتلطف معه، ويتغاضى عن زلاته. وبما أن الصداقة متبادلة، فالأرجح أن يكون هذا "التلطف" متبادلا أيضا.
يكتب التوحيدي: "الكلام في الصداقة على كرم العهد، وبذل المال، وتقديم الوفاء، وحفظ الذمام، وإخلاص المودة، ورعاية الغيب، وتوقر الشهادة، ورفض الموجدة، وكظم الغيظ، واستعمال الحلم، ومجانبة الخلاف، واحتمال الكل، وبذل المعونة، وحمل المؤونة، وطلاقة الوجه، ولطف اللسان، وحسن الاستنابة والثبات على الثقة، والصبر على الضراء، والمشاركة في البأساء".
إذا كنت تعتقد أن الصديق هو الذي "يتقبلنا كما نحن" فربما ستؤمن أيضا أنه ضمن المستحيلات الثلاثة "الغول والعنقاء والخل الوفي" كما يقول العرب. أما إذا كان شيء من عبء الصداقة يقع على كاهلك، فستحاول أن تكون أنت أيضا "صديقاً جيداً" ولا تلقي بالحمل على الآخرين دونك.