"أخفقتُ في الشعر والكتابة والرسم، ولم أوفّق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة. (...) وأمام كل الاخفاقات التي واجهتني في الحياة، سأقف اليوم قوياً في وجه الموت.. وداعاً".
بهذه الكلمات مهّد الشاعر المغربي عبد القادر الحاوفي (1965-2014) لموته قبل أيام قليلة، في رسالة من ثماني صفحات تركها وراءه، قبل أن يعلّق حبلاً في غرفته في فندق صغير ويضع عنقه فيه.
بهذا يكون الحاوفي رابع كاتب مغربي ينتحر بعد القاص سعيد الفاضلي، والمسرحي حسين حوري، والشاعر كريم حوماري.
يقع الفندق الذي عُثر على الحاوفي مشنوقاً في إحدى غرفه بمدينة صغيرة (سيدي بنور) بعيدة عن أغادير التي نشأ فيها، واشتغل سنوات عديدة على مقربة منها أستاذاً في التعليم الثانوي. المقرّبون منه تحدثوا عن معاناته طوال الفترة الأخيرة.
تكفي العودة إلى صفحته على فيسبوك لإدراك أن هذا الانتحار كان قراراً مؤجّلاً اتخذه الشاعر منذ فترة. ففي شهر آذار/ مارس الماضي، كتب: "الموت مجرد نوم تنقصه الأحلام". وقبلها بيومين، كتب: "الساعات مشاريع جنازات". وفي أيار/ مايو، نشر الجملة الآتية: "عذراً سأنسى قواعد اللغة، كيف هو الانتحار؟". وفي اليوم ذاته: "أنا أعيش أسوأ لحظات عمري... سماحاً أيها الأصدقاء". منذ أكثر من عشرين سنة، كان يكتب نصوصاً ينشر بعضها في الصحف والمجلات، ويؤثر أن تبقى غالبيتها مخفية عن الأنظار، تماماً مثل كاتبها الذي كان يميل إلى العزلة والصمت.
يقول الشاعر سعيد الباز عنه لـ "العربي الجديد": "عاش متألماً يحتضن كتبه وأوراقه، نلتقي فيفيض الكلام منه. ثمّ انزوى مدّة طويلة لا أكاد أعرف شيئاً عنه إلّا عن طريق أخيه الشاعر عبد الله". ويضيف الباز مستنكراً: "لا أستطيع تماماً أن أفسّر هذا النكران لكتّاب ومبدعي المغرب. لماذا عليهم أن يموتوا أوّلاً، أو على الأقلّ أن يمرضوا مرضاً شنيعاً حتّى يتسمّع الناس أخبارهم؟".
في ديوان "دنّ الأسامي" لعبد الله الحاوفي، الذي صدر قبل سبع سنوات، توجد قصيدة عنوانها "رسالة" مهداة إلى أخيه عبد القادر، كانت ربما حدساً لما سيقع: "وأمك إذ تجوب الغرف/ تشير جهة القلب: بيته هنا/ لا تنسنا، رجاءً/ لا تنسنا..."
كلمات كثيرة قيلت على صفحات الفيسبوك، نشرها في الغالب أولئك الذين جمعتهم به لحظة ما، وتبقى كلمة صغيرة كتبها صديقه الشاعر خالد أبو رقية من بين الكلمات الأكثر تأثيراً وأكثر تعبيراً عما فكر فيه الجميع: "كل ما في وسعي قوله أيها الصديق لروحك الآن هو أنك لم تخفق في كتابة الشعر، لكنّ وطناً بأكمله أخفق في قراءتك".