عبد المنعم رمضان (1951) شاعرٌ ضبط المسافة جيداً بينه وبين المؤسسة الثقافية، وحاول مع مجموعة من شعراء جيل السبعينيات أن يخلقوا مناخاً ثقافياً بعيداً عن البيروقراطية، فأسسوا جماعة "أصوات" التي صدر عنها ديوانه الأول "الحلم ظل الوقت.. الحلم ظل المسافة" (1980)، وأصدروا في أواخر الثمانينيات مجلة "الكتابة السوداء" التي توقفت بعد عدد واحد، فتفرّغ رمضان لكتاباته وتوالت إصداراته ومن أبرزها سيرته الذاتية "متاهة الإسكافي".
قارئ أعمال صاحب "الحنين العاري" يلاحظ مزجه الدائم بين عوالم مختلفة، ويسمع في قصائده صهيل الخيول العربية وهي تمر من الأزبكية، ويرى جثة "رامبو" تحاول أن تتدحرج بلا ضجيج. تنحاز معه إلى الحسين ابن فاطمة حين اشتاق للتمر، مثلما تنحاز إلى امرأة وحيدة تنتظر رجلاً في آخر الليل. يرى بيروت تشبه أقراط زينب ذات مساء، وتشبه في مساء آخر روما بمسلّاتها التي تحاول أن تتخلّص من مدن الله قاطبة.
خرج رمضان من عزلته التي طالت لسنوات في آخر عهد مبارك، عندما اندلعت الثورة مزيلةً الغبار عن أحلامه القديمة بالتغيير، وشارك أبناء بلده تطلّعاتهم بصفته مصرياً وليس شاعراً. فهو يقول لـ "العربي الجديد": "إنّ الربط المباشر بين الأدب والتغيير ليس في صالح الأول، لأن الذي يمكنه أن يُغيِّرَ بشكل مباشر ليس أدباً. الأدب آلة تعمل داخل روح الإنسان ولا يمكن أن يظهر أثره فوراً".
كثيراً ما يُحمِّل "جيلُ الألفية الثالثة" رمضان وأبناء جيله المسؤولية في ابتعاد الناس عن الشعر. بينما يرى رمضان "أن هذا الصراع طبيعي، فالجيل الجديد يبحث عن وجوده دائماً بالصراع مع الجيل القديم، وصراع الأجيال طريق تمشي فيه الأجيال كلّها عبر التاريخ، ولا أعرف جيلاً لم يخض نفس الصراع الذي غالباً ما ينتهي بالمصالحة بعد أن يحقق الجيل الجديد ذاته، مثلما تصالح صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي مع العقاد بعد أن صارا نجمين. لكن إشكالية الجيل الشعري الجديد الآن ربما في أنه جاء في زمن كأنه ليس زمن الشعر".
وبرأي رمضان فـ"التجريف الذي أحدثه نظام مبارك في وعي المجتمع هو السبب المباشر في تدهور الوضع الثقافي"، لذلك يعتبر أن "المراكز الثقافية التابعة للمؤسسة، "قصور الثقافة"، المنتشرة في جميع محافظات مصر، يجب تحويلها إلى مراكز لـ"محو الأمية" لأنها لا تقدّم للمجتمع أي فائدة ثقافية".
ويضيف صاحب "بعيداً عن الكائنات": "ساهمت دور النشر الخاصة بشكل كبير في تلوّث المناخ الثقافي، عبر إغواء الشباب بفكرة النشر بغض النظر عن المحتوى. فبعد أن كانت هذه الدور تعتمد على لجان متخصصة لقراءة الأعمال الأدبية، أصبحت تتعامل الآن بشكل عشوائي دون أن تميّز الغث من السمين، لأنها تتعامل مع الإبداع بشكل تجاري، يحكمه منطق الربح والخسارة بدلاً من المعايير الفنية".
وعن إمكانية اشتباك الثقافة بالسياسة، يقول رمضان: "إنسان العصر الحديث يكاد يكون حيواناً سياسياً، وعندما ينشغل بالثقافة يحاول أن يقلل من حيوانيته السياسية. فقطار السياسة هو الذي يصل دائماً إلى جميع المحطات، لذلك أصبح يغري بعض الكُتَّاب بركوبه لكي يراهم الجميع، مثلما يفعل الكاتب علاء الأسواني على سبيل المثال".
رمضان الذي يعتبر اللغة بيت الشاعر يفسّر الخلاف الذي لم يحسم بعد ـ حول غياب القضايا الكبرى في الشعر وبدء مرحلة العابر واليومي ـ بـ"التفاف التيار الديني بعد النهضة الحديثة حول الأفكار الكبرى التي مِحورها "الله"، مقابل محاولة التيار المدني إخراج "الله" من الملعب".
حين يتناول رمضان الثورة يتحدّث بحذر شديد قد يصل إلى درجة أنه يخشى أن يكون مديناً بعض الشيء لسعدي يوسف الذي هاجمه رمضان بعدما وصف الأخير "الربيع العربي" بالمؤامرة. وفي هذا السياق، يرى الشاعر أن الثورات العربية كانت ثورات شعبية حقيقية، لكن دخول القوى الكبرى مثل أميركا على الخط جعل المعادلة أكثر تعقيداً.
في حالة الثورة المصرية يرى رمضان أن أميركا في مرحلة ما "أرغمت المجلس العسكري على قبول الإخوان"، وبحسب رأيه أيضاً فـ"المجلس العسكري هو الذي أخرج المسرحية التي حدثت في مصر بعد "25 يناير" وحتى الآن، عندما نزل الجيش إلى الشوارع بدعوى الوقوف مع الشعب في ثورته، والحقيقة أنه كان يريد أن يحافظ على سيطرته ومصالحه فاستغل الخلاف بينه وبين مبارك على قضية "التوريث" التي كان يمهد الأخير فيها الطريق لابنه جمال إلى كرسي الرئاسة، ليضحّي "المجلس" بمبارك مدّعياً انحيازه إلى ثورة الشعب المصري؛ رغم أنه هو الذي قام بتشويه الثوار منذ البداية".
أما عن موقف النخبة المصرية من الثورة فيقول رمضان "إن النخبة عبر التاريخ لها سطح يتكلم بلسانها وعيونها دائماً ما تكون على السلطة لتكون جزءاً منها. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي مثلاً أصبح اليسار يتيماً لأنه فقد آباءه، وأصبح النظام هو الأب البديل له ورصد الأخير مالا كثيراً لاحتواء اليسار وإدخاله في صراعات وهمية باسم "التنوير" ضد "رجعية الإسلاميين" لشغله بذلك عن مواجهة فساد السلطة؛ وكان فاروق حسني وزير ثقافة مبارك ومساعده جابر عصفور والذين من شيعتهما أبرز الذين لعبوا هذا الدور".