"تقفز من اليمين إلى اليسار والعكس، ثم تبرّر كل ذلك.. ويأتي زمن لاحق تزعم أنّها لم تغادر منطقة المنتصف"، هكذا يصف الروائي الكويتي عبد الوهاب الحمّادي شخصياته المتطرفة في تقلباتها، في حديثه إلى "العربي الجديد"، مضيفاً أنه "مفتون بمراقبة الإنسان وتقلّباته النفسية".
ينتمي الحمّادي (1979) إلى الجيل الذي كان يافعاً إبّان أحداث صيف 1990، ويرى صاحب "الطير الأبابيل" في غزو العراق للكويت منعطفاً غيّر مجرى حياته وطريقة تفكيره، هو وأبناء جيله. إنها نقطة تحوّل في تاريخ بلاده وضعت في فم هذا الجيل "أسئلة تفوق سيل الإجابات الكاذبة الخاطئة التي حصل عليها" والتي يرى أنهم كجيل "رضعوها وسمّمتهم صغاراً".
إلى جانب ذلك، يضيف الحمّادي إلى المؤثرات التي تدخلت في أدب الشباب اليوم، الطابع العنيف الذي يسم العصر من حروب وإبادات وتطرف، ووجود من يبرر القتل ويؤصّله كلٌّ وفق مرجعيته.
وإن كان الحمادي ابن بيئته ومشغول بتطويرها، إلا أنه ينطلق من أفق قومي عروبي تشكّل فلسطين واسطة عقده. ويقف في طليعة كتّاب بلده المنتمين لقضية فلسطين بلا مواربة ومن باب الانتماء لا التضامن. وبالتالي فهو يرفض أي استدخال للتطبيع في منطقة الخليج العربي، وينتقد نمطاً متنامياً من "المثقفين" الذين لا تعنيهم قضية عربية عادلة كقضية فلسطين، ومما نقرأ من تعليقاته على صفحته في فيسبوك نقداً لهذا النمط: "صورة لعائلة كاملة أبيدت وانتهت من هذه الدنيا لن تحرك شعرة في رأسه ويتفرغ للتنظير وتسخيف مقاومة تدافع عن أرضها".
وإن كانت روايته الأخيرة "لا تقصص رؤياك"، التي صدرت طبعتها الثانية أخيراً عن "المركز الثقافي العربي"، مُنعت من التداول في بلاده، فقد زاد من انتشارها بين القراء بلوغها القائمة الطويلة لـ "جائزة الرواية العربية - بوكر" 2015، بعد منعها بقليل. وكان لذلك أثر كبير في تواري مسألة المنع والرقابة من ذهن الحمّادي، لا سيما وأن روايته انتشرت على المواقع الإلكترونية.
عن المنع، الذي لم توضح الجهات الرقابية أسبابه، يقول الحمّادي: "ربما مُنعت روايتي لأنني قصصت رؤياي عن وطني". بالنسبة له فإن المؤلم حقاً في مسألة المنع أنه يرى في سلوك رقابي من هذا النوع تبديداً عشوائياً لرصيد الحريات الثقافية الذي جُمع في الكويت منذ الاستقلال وحتى فترة قريبة، مشيراً إلى أنه لن يكون أول ولا آخر من ستتعرض أعماله للمصادرة.
في الرواية، يتناول الحمّادي الأوضاع السياسية في الكويت في السنوات القليلة الماضية، والسجالات السياسية التي قادها معارضون وتعرضت للعنف من قبل السلطة. كما يفتح الباب واسعاً على الصراعات الطائفية والقبلية في البلاد وكيف يتم استغلالها وتجييش أطرافها من قبل الطبقة الحاكمة، كل ذلك من خلال تناول قدرة الأحلام، خصوصاً الكوابيس منها، على قلب حياة المرء رأساً على عقب.
ويبدو أن الحمّادي كاتب يصطدم باستمرار بالمؤسسات. فقبل عامين من الآن، هوجم ورفضت عضويته في "رابطة الأدباء الكويتيين"، بحسبه، وذلك بسبب "شخصنة" تصريحات له انتقد فيها عمل الرابطة وطمح إلى وضع أفضل لها، لكنه فوجئ بقرار يحول بينه وبين العضوية في هذه الرابطة التي يرى أنّ الداء قد تمكّن منها، مضيفاً أنه ذات الدّاء الذي أصاب "معظم مفاصل المجتمع، وسماته الشللية والقبلية والمناطقية والعنصرية والطائفية وغيرها".
يستوحي الحمّادي عناوينه من النص المقدس: "الطير الأبابيل" و"لا تقصص رؤياك" هي عناوين من عوالم القصص القرآني، عن ذلك يؤكد أنه لم يتقصد البحث عن مصطلح قرآني ليعنون به الروايتين، لافتاً إلى "أننا نعرف ما لمصطلحات القرآن من تكثيف لطبقات عديدة من المعاني واشتباكها مع بنياننا اللغوي". لذا اختار الحمّادي عناوين أراد لها أن تكون مفتاحاً لتأويلات عدّة بعضها متعمّد وأخرى يأتي بها المتلقي.
يستشهد الحمّادي بمقولة الجاحظ من أنّ الكتب تكون عند مؤلفها أعزّ من أولاده. ويرى أن روايته الأولى "الطير الأبابيل" لخّصت بين دفتيها تاريخ جيل كامل بكل تعقيداته. فيما كان انتشار الرواية الثانية "لا تقصص رؤياك" بالنسبة له، تحقيقاً لحلم قديم في أن تصل روايات كويتية إلى العالم العربي.
ويضيف: "وهو انتشار حققته جائزة البوكر"، وعنها والانتقادات التي تطالها يرى الحمّادي أنّ "اختيارات لجنة تحكيمها تنسجم مع ذائقة اللجنة. والوصول إلى القائمة الطويلة أو القصيرة وحتى الفوز، لا يعني بالضرورة أنّ العمل هو أهمّ عمل كُتب في هذا العام وإنما يعني أنّ ذائقة لجنة الحكم، المتغيّرة كلّ عام، اتفقت مع هذه الأعمال التي لفتت نظرها.
يلفت الحمّادي إلى أنّه مدين لكتب الرحلات قديمها وحديثها بشطر كبير من متعة القراءة، لكونها تقدّم خلاصة الخبرة العملية وتعطي القارئ شرحاً لزمن الرحّالة على نحو قد تعجز عنه كتب التاريخ. من هنا، تحوّل الحمّادي من عاشق قديم لأدب الرحلات إلى كاتب لهذا النوع الأدبي، فأصدر أخيراً كتاب "دروب أندلسية".